ويقال إنّ هرقل لما بلغه شأن هذه الهدية اتهمه بالميل الى الإسلام فعزله عن رياسة القبط.
وخرّج مسلم في صحيحه من رواية أبي ذرّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا افتتحتم مصر أو إنكم مستفتحون مصر فاستوصوا بأهلها خيرا، فإنّ لهم ذمّة ورحما أو صهرا.» ورواه ابن إسحاق عن الزهريّ وقال: قلت للزهري ما الرحم التي ذكر؟ قال: كانت هاجر أم إسماعيل منهم. ولبعض رواة الحديث في تفسير الصهر أنّ مارية أم إبراهيم منهم، أهداها له المقوقس، وكانت من كورة حفن من عمل أنصنا. وقال الطبريّ إنّ عمرو بن العاص لما ملك مصر أخبرهم بوصية النبيّ صلى الله عليه وسلم بهم، فقال: هذا نسب لا يحفظ حقه إلّا نبيّ لأنه نسب بعيد وذكروا له أنّ هاجر كانت امرأة لملك من ملوكنا ووقعت بيننا وبين أهل عين شمس حروب كانت لهم في بعضها دولة فقتلوا الملك وسبوها، ومن لك تسيرت الى أبيكم إبراهيم.
ولما كمل فتح مصر والإسكندرية وارتحل الروم الى القسطنطنية، أقام المقوقس والقبط على الصلح الّذي عقده لهم عمرو بن العاص وعلى الجزى، وأبقوه على رياسة قومه، وكانوا يشاورونه فيما ينزل من المهمات إلى أن هلك، وكان ينزل الإسكندرية وفي بعض الأوقات ينزل منف من أعمال مصر. واختط عمرو بن العاص الفسطاط بموضع خيامه التي كان يحاصر مصر منها، فنزل بها المسلمون وهجروا المدينة التي كان بها المقوقس، الى أن خربت. وكان في خرابها ومهلك المقوقس انقراض أمرهم. وبقي أعقابهم الى هذا الزمان يستعملهم أهل الدول الإسلامية في حسابات الخراج، وجبايات الأموال لقيامهم عليها، وغنائهم فيها، وكفايتهم في ضبطها وتنميتها. وقد يهاجر بعضهم إلى الإسلام فترفع رتبتهم عند السلطان في الوظائف المالية التي أعلاها في الديار المصرية رتبة الوزارة، فيقلدونهم إياها ليحصل لهم بذلك قرب من السلطان وحظ عظيم في الدولة وبسطة يد في الجاه، تعدّدت منهم في ذلك رجال، وتعينت لهم بيوت قصر السلطان نظره على الاختيار منها لهذا العهد. وعامتهم يقيم على دين النصرانية الذين كانوا عليها لهذا العهد، وأكثرهم بنواحي الصعيد وسائر الأعمال متحرّفون بالفلح وَالله غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ ١٢: ٢١.
وأمّا إقليم مصر فكان في أيام القبط والفراعنة جسورا كله بتقدير وتدبير يحبسونه