رأيه فيه جميلا وظنّه به صالحا. وكان الواثق بن المستنصر لما قتل هو وبنوه بمحبسهم فرّت إحدى جواريه، وقد اشتملت على حمل منه إلى رباط هذا الولي فوضعته في بيته، فسمّاه الشيخ محمدا، وعقّ عليه وأطعم الفقراء يومئذ عصيدة الحنطة، فلقّب بأبي عصيدة إلى آخر الدهر. ثم صار بعد الاختفاء ودواعيه إلى قصورهم ونشأ في ظل الخلفاء من قومه، حيث شب وبقيت له مع الولي أبي محمد ذمّة يثابر كل منهما على الوفاء بها، فلما فاوضه السلطان أبو حفص في شأن العهد وقصّ نكير الموحّدين لولده، أشار عليه الشيخ بصرف العهد إلى محمد بن الواثق فتقبّل إشارته وعلم ترشيحه، وأنفذ بذلك عهده بمحضر الملأ ومشيخة الموحّدين، وهلك آخر ذي الحجة سنة أربع وتسعين وستمائة وإلى الله المصير أهـ.
[(الخبر عن دولة السلطان أبي عصيدة وما كان على أثرها من الأحوال)]
لما هلك السلطان أبو حفص اجتمع الملأ من الموحّدين والأولياء والجند والكافة إلى القصبة، فبايعوا بيعة عامة لوليّ عهده السلطان أبي عبد الله محمد، ويلقّب كما ذكرناه بأبي عصيدة ابن السلطان الواثق في الرابع والعشرين لذي الحجة سنة أربع وتسعين وستمائة فانشرحت ببيعته الصدور، ورضيته الكافة، وتلقب المستنصر باللَّه.
وافتتح أمره بقتل عبد الله ابن السلطان أبي حفص لمكان ترشيحه، وقلّد وزارته محمد ابن يرزيكن من مشيخة الموحّدين، وأبقى محمد الشخشي على خطّة الحجابة وصرف التدبير والعساكر ورياسة الموحدين إلى أبي يحيى زكريا بن أحمد بن محمد اللحياني قتيل السلطان المستنصر، عند تعرّض ابنه للبيعة، واستنامة الخلافة فقام بما دفع إليه من ذلك. وضايقه فيه عبد الحق بن سليمان رئيس الموحدين قبله، حتى إذا نكب وهلك استبدّ هو على الدولة، واستقل الشخشي بحجابته. وكان محمد بن إبراهيم بن الدبّاغ رديفا له فيها.
وكان من خبر ابن الدبّاغ هذا أنّ إبراهيم أباه وفد على تونس في جالية إشبيليّة سنة ست وأربعين وستمائة فولد هو بتونس ونشأ بها، وأفاد صناعة الديوان وحسباته من المبرزين كان فيه أبي الحسن وأبي