ناقصا كما قالوه. ثمّ إنّ هؤلاء الكهّان إذا عاصروا زمن النّبوة فإنّهم عارفون بصدق النّبيّ ودلالة معجزته لأنّ لهم بعض الوجدان من أمر النّبوة كما لكلّ إنسان من أمر اليوم ومعقوبيّة تلك النّسبة موجودة للكاهن بأشدّ ممّا للنّائم ولا يصدّهم عن ذلك ويوقعهم في التّكذيب إلّا قوّة المطامع في أنّها نبوة لهم فيقعون في العناد كما وقع لأميّة بن أبي الصلت فإنّه كان يطمع أن يتنبّأ وكذا وقع لابن صيّاد ولمسيلمة وغيرهم فإذا غلب الإيمان وانقطعت تلك الأمانيّ آمنوا أحسن إيمان كما وقع لطليحة الأسديّ وسواد بن قارب وكان لهما في الفتوحات الإسلاميّة من الآثار الشّاهدة بحسن الإيمان.
[الرؤيا]
وأمّا الرّؤيا فحقيقتها مطالعة النّفس النّاطقة في ذاتها الرّوحانيّة لمحة من صور الواقعات فإنّها عند ما تكون روحانيّة تكون صور الواقعات فيها موجودة بالفعل كما هو شأن الذّوات الرّوحانيّة كلّها وتصير روحانيّة بأن تتجرّد عن الموادّ الجسمانيّة والمدارك البدنيّة وقد يقع لها ذلك لمحة بسبب النّوم كما نذكر فتقتبس بها علم ما تتشوّف إليه من الأمور المستقبلة وتعود به إلى مداركها فإن كان ذلك الاقتباس ضعيفا وغير جليّ بالمحاكاة والمثال في الخيال لتخلّصه فيحتاج من أجل هذه المحاكاة إلى التّعبير وقد يكون الاقتباس قويّا يستغنى فيه عن المحاكاة فلا يحتاج إلى تعبير لخلوصه من المثال والخيال والسّبب في وقوع هذه اللّمحة للنّفس أنّها ذات روحانيّة بالقوّة مستكملة بالبدن ومداركه [١] حتّى تصير ذاتها تعقّلا محضا ويكمل وجودها بالفعل فتكون حينئذ ذاتا روحانيّة مدركة بغير شيء من الآلات البدنيّة إلّا أنّ نوعها في الرّوحانيّات دون نوع
[١] في نسخة لجنة البيان العربيّ عبارة بين قوسين وهي (ولا بد من تخلصها من البدن ومداركه) وهذه الجملة غير واردة في جميع النسخ الأخرى وهي متممة لمعنى الجملة التي قبلها، ولا يستقيم المعنى بدونها.