السلطان بالطاعة على شيراز، وولّى السلطان على حلب قسيم الدولة صاحب شيراز نصر بن عليّ بن منقذ الكناني وسلّم إليه اللاذقية وكفر طاب وفامية، فأقرّ على شيراز، وولّى السلطان على حلب قسيم الدولة آق سنقر جدّ نور الدين العادل، ورحل إلى العراق وطلب أهل حلب أن يعفيهم من ابن الحثيثي فحمله معه وأنزله بديار بكر فتوفي فيها بحلل إملاق. ودخل السلطان بغداد في ذي الحجة من سنة تسع وسبعين وأهدى إلى المقتدي وخلع عليه الخليفة، وقد جلس له في مجلس حفل ونظام الملك قائم يقدّم أمراء السلطان واحدا بعد واحد آخر للسلام للخليفة، ويعرّف بأسمائهم وأنسابهم ومراتبهم. ثم فوّض الخليفة المقتدي إلى السلطان أمور الدولة، وقبّل يده وانصرف. ودخل نظام الملك إلى مدرسته فجلس في خزانة الكتب وأسمع جزء حديث وأملى آخر. وأقام السلطان ببغداد شهرا ورحل في صفر من سنة ثمانين إلى أصبهان وجاء إلى بغداد مرّة أخرى في رمضان من سنة أربع وثمانين ونزل بدار الملك وقدّم عليه أخوه تاج الدولة تتش وقسيم الدولة آق سنقر من حلب، وغيرهما من أمراء النواحي. وعمل ليلة الميعاد من سنة خمس وثمانين، لم ير أهل بغداد مثله وأخذ الأمراء في بناء الدور ببغداد لسكناهم عند قدومهم فلم تمهلهم الأيام لذلك.
[فتنة بغداد]
كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدإ الخليفة فيما علمناه، واضطربت آخر الدولة العبّاسيّة بالفتن، وكثر فيها المفسدون والدعّار والعيارون من الرّها، وأعيا على الحكّام أمرهم، وربما أركبوا العساكر لقتالهم ويثخنون فيهم فلم يحسم ذلك من عللهم شيئا وربما حدثت الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنّة والشيعة من الخلاف في الإمامة ومذاهبها، وبين الحنابلة والشافعية وغيرهم من تصريح الحنابلة بالتشبيه في الذات والصفات، ونسبتهم ذلك إلى الإمام أحمد، وحاشاه منه، فيقع الجدال والنكير ثم يفضي إلى الفتنة بين العوام. وتكرّر ذلك منذ حجر الخلفاء. ولم يقدر بنو بويه ولا السلجوقيّة على حسم ذلك منها لسكنى أولئك بفارس، وهؤلاء بأصبهان، وبعدهم عن بغداد والشوكة التي تكون بها حسم العلل لاتفاقهم. وإنما تكون ببغداد شحنة تحسم ما خفّ من العلل ما لم ينته إلى عموم الفتنة، ولم يحصل من ملوكهم اهتمام لحسم ذلك