للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بواجر [١] قبالة بني يزناسن، واستحكم عقد الوفاق بينهما بذلك، واتصلت المهادنة إلى أن كان بينهما ما نذكره إن شاء الله تعالى.

[(الخبر عن كائنة النصارى وإيقاع يغمراسن بهم)]

كان يغمراسن بن زيان بعد مهلك السعيد وانفضاض عساكر الموحدين قد استخدم طائفة من جند النصارى الذين كانوا في جملته مستكثرا بهم معتدّا بمكانهم مباهيا بهم في المواقف والمشاهد. وناولهم طرفا من حبل عنايته، فاعتزوا به واستفحل أمرهم بتلمسان حتى إذا كان سنة اثنتين وخمسين وستمائة بعد مرجعه من بلاد توجين في إحدى حركاته إليها، كانت قصة غدرهم الشنعاء التي أحسن الله في دفاعها عن المسلمين. وذلك أنه ركب في بعض أيامه لاعتراض الجنود بباب القرمادين [٢] من أبواب تلمسان. وبينما هو واقف في موكبه عند قائلة الضحا عدا عليه قائدهم، وبادر النصارى إلى محمد بن زيّان أخي يغمراسن فقتلوه، وأشار له بالنجوى فبرز من الصف لاسراره وأمكنه من أذنه، فتنكّبه النصراني [٣] وقد خالطه روعة أحس منها يغمراسن بمكره فانحاص منه، وركض النصراني أمامه يطلب النجاة، وتبين الغدر، وثارت بهم الدهماء من الحامية والرعايا، فأحيط بهم من كل جانب وتناولتهم أيدي الهلاك بكل مهلك قعصا بالرماح وهبرا بالسيوف وشدخا بالعصي والحجارة حتى استلحموا، وكان يوما مشهودا. ولم يستخدم من بعدها جند النصارى بتلمسان حذرا من غائلتهم. ويقال إنّ محمد بن زيّان هو الّذي داخل القائد في الفتك بأخيه يغمراسن، وأنه إنما قتله عند ما لم يتم لهم الأمر تبرءا من مداخلته، فلم يمهله غاشي الهيعة للتثبّت في شأنها والله أعلم.


[١] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: براجر.
[٢] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: المفرمادين وفي نسخة ثانية الغزمادين وأخرى: الترمادين.
[٣] الضمير هنا يعود الى قائدهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>