سما ليغمراسن أمل في مزاحمتهم. وكان أهل فاس بعد تغلّب أبو يحيى بن عبد الحق عليهم قد نقموا على قومه سوء السيرة، وتمشّت رجالاتهم في اللياذ بطاعة الخليفة المرتضى ففعلوا فعلتهم في الفتك بعامل أبي يحيى بن عبد الحق، والرجوع إلى طاعة الخليفة. وأغدّ أبو يحيى المسير إلى منازلتهم، فحاصرهم شهورا وفي أثناء هذا الحصار اتصلت المخاطبة بين الخليفة المرتضى ويغمراسن بن زيان في الأخذ بحجزة أبي يحيى بن عبد الحق بفاس، فأجاب يغمراسن داعيه، واستنفر لها إخوانه من زناتة فنفر معه عبد القوي بن عطية بقومه من توجين وكافة القبائل من زناتة والمغرب، ونهضوا جميعا إلى المغرب. وبلغ خبرهم إلى أبي يحيى بن عبد الحق بمكانه من حصار فاس، فجهّز كتائبه عليها ونهض للقائهم في بقية العساكر، والتقى الجمعان بايسلي من ناحية وجدة، وكانت هناك الواقعة المشهورة بذلك المكان انكشف فيها جموع يغمراسن، وهلك منهم يغمراسن وغيره، ورجعوا في فلّهم إلى تلمسان، واتصلت بعد ذلك بينهم الحروب والفتنات سائر أيامه، وربما تخللتها المهادنات قليلا.
وكان بينه وبين يعقوب بن عبد الحق ذمّة مواصلة أوجب له رعيها، وكثيرا ما كان يثني عليه أخوه أبو يحيى من أجلها. ونهض أبو يحيى بن عبد الحق سنة خمس وخمسين وستمائة إلى قتاله وبرز إليه يغمراسن، وتزاحف جموعهم بأبي سليط، فانهزم يغمراسن واعتزم أبو يحيى على اتباعه، فردّه أخوه يعقوب بن عبد الحق.
(ولما) قفل إلى المغرب صمد يغمراسن إلى سجلماسة، لمداخلة كانت بينه وبين المنبات من عرب المعقل، أهل مجالاتها وذئاب فلاتها، حدّثته نفسه باهتبال الغرّة في سجلماسة من أجلها، وكانت قد صارت إلى إيالة أبي يحيى بن عبد الحق منذ ثلاث كما ذكرناه في أخبارهم. ونذر بذلك أبو يحيى، فسابق إليها يغمراسن بمن حضره من قومه فثقفها وسدّ فرجها. ووصل يغمراسن عقيب ذلك بعساكره، وأناح بها وامتنعت عليه فأفرج عنها قافلا إلى تلمسان. وهلك أبو يحيى بن عبد الحق إثر ذلك منقلبه إلى فاس، فاستنفر يغمراسن أولياءه من زناتة وأحياء زغبة، ونهض إلى المغرب سنة سبع وخمسين وستمائة وانتهى إلى كلدامان. ولقيه يعقوب بن عبد الحق في قومه فأوقع به. وولّى يغمراسن منهزما، ومرّ في طريقه بتافرسيت فانتسفها وعاث في نواحيها. ثم تداعوا للسلم ووضع أوزار الحرب، وبعث يعقوب بن عبد الحق ابنه أبا مالك بذلك، فتولّى عقده وإبرامه. ثم كان التقاؤهما سنة تسع وخمسين وستمائة