(وكان من خبر هذه الرسالة) أن يعقوب بن يوسف لما هلك تطاول للأمر الأعياص من إخوته وولده وحفدته، وتحيّز أبو ثابت حافده إلى بني ورتاجن لخؤولة كانت له فيهم، فاستجاش بهم واعصوصبوا عليه وبعث إلى أولاد عثمان بن يغمراسن أن يعطوه الآلة ويكونوا مفزعا له ومأمنا إن أخفق مسعاه على أنه إن تمّ أمره قوّض عنهم معسكر بني مرين فعاقدوه عليها. ووفّى لهم لما تمّ أمره ونزل لهم عن جميع الأعمال التي كان يوسف بن يعقوب استولى عليها من بلادهم، وجاء بجميع الكتائب التي أنزلها في ثغورهم وقفلوا إلى أعمالهم بالمغرب الأوسط كلّها إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.
[(الخبر عن شأن السلطان أبي زيان من بعد الحصار إلى حين مهلكه)]
كان من أوّل ما افتتح به السلطان أبو زيان أمره بعد الخروج من هون الحصار وتناوله الأعمال من يد بني مرين، أن نهض من تلمسان ومعه أخوه أبو حمو آخر ذي الحجة من سنة ست وسبعمائة، فقصد بلاد مغراوة وشرّد من كان هنالك منهم في طاعة بني مرين، واحتاز الثغور من يد عمّالهم. ودوّخ قاصيتها. ثم عقد عليها المسامح مولاه، ورجع عنها، فنهض إلى السرسو، وكان العرب قد تملكوه أيام الحصار، وغلبوا زناتة عليه من سويد والد يالم ومن إليهم من بني يعقوب بن عامر فأجفلوا أمامه. واتبعوا آثارهم إلى أن أوقع بهم وانكفأ راجعا ومرّ ببلاد بني توجين، فاقتضى طاعة من كان بقي بالجبل من بني عبد القوى والحشم فأطاعوه، ورياستهم يومئذ لمحمد بن عطيّة الأصمّ من بني عبد القوي. وقفل إلى تلمسان لتسعة أشهر من خروجه، وقد ثقف أطراف ملكه، ومسح أعطاف دولته. فنظر في إصلاح قصوره ورياضه، ورمّ ما تثلّم من بلده، وأصابه المرض خلال ذلك فاشتدّ وجعه سبعا، ثم هلك أخريات شوّال من سنة سبع وسبعمائة والبقاء للَّه وحده.