للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغريب. ونفس عن مخنقهم بمهلك السلطان يوسف بن يعقوب على يد خصيّ من العبيد، فأسخطته بعض النزعات الملوكية فاعتمده في كسر بيته ومخدع نومه، وطعنه بخنجر قطع أمعاءه، وأدرك فسيق إلى وزرائه فمزّقوه أشلاء. ولم يبق شيء من بقايا عهدهم كما ذكرناه والأمر للَّه وحده. وأذهب الله العناء عن آل زيان وقومهم وساكني مدينتهم كأنما نشروا من الأجداث. وكتبوا لها في سكتهم ما أقرب فرج الله استغرابا لحادثتها.

(وحدثني) شيخنا محمد بن إبراهيم الآيلي قال: جلس السلطان أبو زيّان صبيحة يوم الفرج وهو يوم الأربعاء في خلوة زوايا قصره، واستدعى ابن حجاف خازن الزرع فسأله كم بقي من الأهراء والمطامير المختومة؟ فقال له: إنما بقي عولة اليوم وغد فاستوصاه بكتمانها. وبينما هم في ذلك دخل عليه أخوه أبو حمّو فأخبروه فوجم لها، وجلسوا سكوتا لا ينطقون. وإذا بالخادم دعد قهرمانة القصر من وصائف بنت السلطان أبي إسحاق وحظية أبيهم خرجت من القصر إليهم، فوقفت وحيتهم تحيتها وقالت: تقول لكم حظايا قصركم وبنات زيّان حرمكم ما لنا وللبقاء، وقد أحيط بكم وأسف عدوّكم لاتهامكم، ولم يبق إلّا فواق بكيئة لمصارعكم. فأريحونا من معرّة السبي، وأريحوا فينا أنفسكم وقربوا إلى مهالكنا فالحياة في الذل عذاب والوجود بعدكم عدم. فالتفت أبو حمو إلى أخيه وكان من الشفقة بمكان وقال: قد صدقتك الخبر فما تنظر بهنّ؟ فقال: يا موسى أرجئني ثلاثا لعلّ الله يجعل بعد عسر يسرا، ولا تشاورني بعدها فيهن، بل سرّح اليهود والنصارى إلى قتلهنّ وتعال إليّ نخرج مع قومنا إلى عدوّنا فنستميت، ويقضي الله ما يشاء. فغضب أبو حمو وأنكر الأرجاء في ذلك، وقال: إنما نحن والله نتربّص المعرّة بهنّ وبأنفسنا، وقام عنه مغضبا وجهش السلطان أبو زيان بالبكاء. قال ابن حجاف: وأنا بمكاني بين يديه لا أملك متأخرا ولا متقدّما إلى أن غلب عليه النوم فما راعني إلّا حرسيّ الباب يشير إليّ أن اذن السلطان بمكان رسول من معسكر بني مرين لسيدة القصر، فلم أطق رجع جوابه إلا بإشارة وانتبه السلطان من خفيف إشارتنا فزعا، فأذنته واستدعاه.

فلما وقف بين يديه قال له: إنّ يوسف بن يعقوب هلك الساعة، وأنا رسول حافده أبي ثابت إليكم، فاستبشر السلطان واستدعى أخاه وقومه حتى أبلغ الرسول رسالته

<<  <  ج: ص:  >  >>