ولما قدم الفضل بن الربيع على الأمين ونكث عهد المأمون خشي غائلته، فأجمع قطع علائقه من الأمور وأغرى الأمين بخلعه والبيعة للعهد لابنه موسى، ووافقه في ذلك علي بن عيسى بن ماهان والسّنديّ وغيرهما ممن يخشى المأمون. وخالفهم خزيمة بن خازم وأخوه عبد الله وناشدوا الأمين في الكفّ عن ذلك وأن لا يحمل الناس على نكث العهود فيطرقهم لنكث عهده. ولجّ الأمين في ذلك، وبلغه أنّ المأمون عزل العبّاس بن عبد الله بن مالك عن الريّ وأنه ولىّ هرثمة بن أعين على الحرس وأنّ رافع بن الليث استأمن له فآمنه وسار في جملته فكتب إلى العمّال بالدعاء لموسى ابنه بعد الدعاء للمأمون والمؤتمن، فبلغ ذلك المأمون فأسقط اسم الأمين من الطرد وقطع البريد عنه. وأرسل الأمين إليه العبّاس بن موسى بن عيسى وخاله عيسى بن جعفر بن المنصور وصالحا صاحب الموصل، ومحمد بن عيسى بن نهيك يطلب منه تقديم ابنه موسى عليه في العهد ويستقدمه. فلما قدموا على المأمون استشار كبراء خراسان فقالوا: إنما بيعتنا لك على أن لا تخرج من خراسان فأحضر الوفد وأعلمهم بامتناعه مما جاءوا فيه. واستعمل الفضل بن سهل العبّاس بن موسى ليكون عينا لهم عند الأمين ففعل، وكانت كتبه تأتيهم بالأخبار. ولما رجع الوفد عاودوه بطلب بعض كور خراسان وأن يكون له بخراسان صاحب بريد يكاتبه، فامتنع المأمون من ذلك وأوعد إلى قعوده بالريّ ونواحيها يضبط الطرق وينقذها من غوائل الكتب والعيون، وهو مع ذلك يتخوّف عاقبة الخلاف. وكان خاقان ملك التبت قد التوى عليه وجيفونة فارق الطاعة، وملوك الترك منعوا الضريبة، فخشي المأمون ذلك وحفظ عليه الأمر بأن يولّى خاقان وجيفونة بلادهما، ويوادع ملك كابل، ويترك الضريبة لملوك الترك الآخرين. وقال له بعد ذلك ثم أضرب الخيل بالخيل والرجال بالرجال فان ظفرت وإلا لحقت بخاقان مستجيرا فقبل إشارته وفعلها، وكتب إلى الأمين يخادعه بأنه عامله على هذا الثغر الّذي أمره الرشيد بلزومه وأنّ مقامه به أشدّ غناء ويطلب إعفاء من الشخوص إليه، فعلم الأمين أنه لا يتابعه على مراده فخلعه وبايع لولده في أوائل سنة خمس وتسعين وسمّاه الناطق بالحق، وقطع ذكر المأمون والمؤتمن من المنابر وجعل ولده موسى في حجر علي بن عيسى وعلى شرطته محمد بن عيسى بن نهيك