للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فتح مدينة كاشغر]

أجمع قتيبة لغزو مدينة كاشغر سنة ست وتسعين وهي أدنى مدائن الصين فسار لذلك وحمل مع الناس عيالاتهم ليضعها بسمرقند وعبر النهر، وجعل على المجاز مسلحة [١] يمنعون الراجع من العسكر إلا بإذنه! وبعث مقدمه إلى كاشغر فغنموا وسبوا وختم أعناق السبي. وأوغل حتى قارب الصين فكتب إليه ملك الصين يستدعي من أشراف العرب من يخبره عنهم وعن دينهم فانتخب قتيبة عشرة من العرب كان منهم هبيرة بن شمرج الكتابيّ. وامر لهم بعدة حسنة ومتاع من الخزّ والوشي وخيول أربعة وقال لهم: أعلموه أني حالف أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي خراجهم. ولما قدموا على ملك الصين دعاهم في اليوم الأوّل فدخلوا وعليهم الغلائل والأردية، وقد تطيبوا ولبسوا النعال. فلم يكلمهم الملك ولا أحد ممن حضره، وقالوا بعد انصرافهم هؤلاء نسوان. فلبسوا الوشي والمطارف وعمائم الخز وغدوا عليه فلم يكلموهم وقالوا هذه أقرب إلى هيئة الرجال ثم دعاهم الثالثة فلبسوا سلاحهم وعلى رءوسهم البيضات والمغافر وتوشحوا السيوف واعتقلوا الرماح ونكبوا القسيّ فهالهم منظرهم ثم انصرفوا وركبوا فتطاردوا فعجب القوم منهم. ثم دعا زعيمهم هبيرة بن شمرج فسأله لم خالفوا في زيّهم فقال: أمّا الأوّل فإنّا نساء في أهلنا وأما الثاني فزيّنا عند أمرائنا، وأما الثالث فزينا لعدوّنا. فاستحسن ذلك، ثم قال له: قد رأيتم عظم ملكي وأنه ليس أحد يمنعكم مني، وقد عرفت قلّتكم فقولوا لصاحبكم ينصرف وإلّا بعثت من يهلككم. فقال هبيرة كيف نكون في قلة وأول خيلنا في بلادك وآخرها في منابت الزيتون. وأما القتل فلسنا نكرهه ولا نخافه، ولنا آجال إذا حضرت فلن نتعدّاها وقد حلف صاحبنا أنه لا ينصرف حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويأخذ جزيتكم قال الملك: فإنا نخرجه من يمينه، نبعث له بتراب من أرضنا فيطؤه، ويقبض أبناءنا فيختمهم وبهدية ترضيه، ثم أجازهم فأحسن. وقدموا على قتيبة فقبل الجزية ووطئ التراب وختم الغلمان وردّهم ثم انصرف من غداته. وأوفد هبيرة إلى الوليد، وبلغه وهو في الفرات موت الوليد.


[١] المسلمة: جماعة من العسكر يقفون في الطريق للحاجة اليهم أهـ. من خط الشيخ العطار.

<<  <  ج: ص:  >  >>