للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلار سنة ثمان وسبعمائة [١] . وشيّد بيبرس هذا أيام سلطانه داخل باب النصر [٢] من أعظم المصانع وأحفلها، وأوفرها ريعا، وأكثرها أوقافا، وعين مشيختها، ونظرها لمن يستعدّ له بشرطه في وقفه، فكان رزق النّظر فيها والمشيخة واسعا لمن يتولّاه، وكان ناظرها يومئذ شرف الدّين الأشقر إمام السلطان الظاهر. فتوفي عند منصرفي من قضاء الفرض، فولّاني السلطان مكانه توسعة عليّ، وإحسانا إليّ، وأقمت على ذلك إلى أن وقعت فتنة الناصري.

فتنة الناصري (وسياقه الخبر عنها بعد تقديم كلام في أحوال الدول يليق بهذا الموضع، ويطلعك على أسرار في تنقل أحوال الدول بالتدريج الى الضخامة والاستيلاء، ثم الى الضعف والاضمحلال، والله بالغ أمره)

وذلك أن الدّول الكلّية، وهي التي تتعاقب فيها الملوك واحدا بعد واحد، في مدة طويلة، قائمين على ذلك بعصبيّة النّسب أو الولاء، وهذا كان الأصل في استيلائهم وتغلّبهم، فلا يزالون كذلك إلى انقراضهم، وغلب مستحقّين آخرين ينزعونه من أيديهم بالعصبيّة التي يقتدرون بها على ذلك، ويحوزون الأعمال التي كانت بأيدي الدولة الأولى، يفضون جبايتها بينهم على تفاضل البأس والرّجولة والكثرة في العصابة أو القلّة، وهم على حالهم من الخشونة لمعاناة البأس، والإقلال من العيش لاستصحاب حال البداوة، وعدم الثّروة من قبل. ثم تنمو الثّروة فيهم بنموّ الجباية التي ملكوها، ويزيّن حبّ الشّهوات للاقتدار عليها، فيعظم التّرف في الملابس والمطاعم والمساكن والمراكب والممالك، وسائر الأحوال، ويتزايد شيئا فشيئا


[١] في المجلد الخامس من هذا الكتاب: ان ذلك كان في سنة. ٧١ وهو الأشبه بالصواب، لأن الناصر عاد الى الملك في سنة ٧٠٩.
[٢] كذا بالأصل. ويظهر ان هنا كلمة سقطت أثناء النسخ. ومقتضى السياق:
«وشيد بيبرس هذا أيام سلطانه داخل باب النصر خانقاه، وهي من أعظم المصانع واحفلها ... إلخ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>