فخاطبه في استحثاثه واستخلاصه من يد الطاغية. وكان المخلوع يرتاد لنفسه منزلا من ثغور المسلمين لما فسد بينه وبين الطاغية ورام النزوع عن إيالته، فاشترط على الوزير عمر النزول له عن رندة فتقبّل شرطه، وبعث إليه الكتاب بالنزول عنها بعد أن وضع الملأ عليه خطوطهم من بني مرين والخاصة والشرفاء والفقهاء، فسار ابن الأحمر إلى الطاغية. وسأله تسريح محمد هذا إلى ملكه، وأن قبيله دعوه إلى ذلك، فسرّحه بعد أن شرط عليه، وكتب الكتاب بقبوله وفصل من إشبيلية في شهر المحرّم فاتح ثلاث وستين وسبعمائة ونزل بسبتة وبها سعيد بن عثمان من قرابة عمر بن عبد الله.
أرصده لقدومه فطير بالخبر إليه فخلع أبا عمر من الملك لعام من بيعته، وأنزله بداره مع حرمه. وبعث الى السلطان أبي زيّان محمد بالبيعة والآلة والفساطيط. ثم جهّز عسكرا للقائه فتلقّوه بطنجة. وأغذّ السير إلى الحضرة فنزل منتصف شهر صفر بكدية العرائس. واضطرب معسكره بها، وتلقّاه الوزير يومئذ وبايعه وأخرج فسطاطه، فاضطربه بمعسكره وتلوّم السلطان هنالك ثلاثا. ثم دخل في الرابع إلى قصره واقتعد أريكته وتودّع ملكه وعمر مستبدّ عليه لا يكل إليه أمرا ولا نهيا. واستطال عند ذلك المنازعون أولاد أبي علي كما نذكره إن شاء الله تعالى.
الخبر عن تجهيز السلطان عبد الحليم واخوته الى سجلماسة بعد الواقعة عليهم بمكناسة
لما سمع عبد الحليم بقدوم محمد بن أبي عبد الرحمن من سبتة إلى فاس وهو بمكانه من تازى، سرّح أخاه عبد المؤمن وعبد الرحمن ابن أخيه إلى اعتراضه، فانتهوا إلى مكناسة وخاموا عن لقائه، فلما دخل إلى البلد الجديد أجلبوا بالغارة على النواحي وكثر العيث. وأجمع الوزير عمر على الخروج إليهم بالعساكر، فبرز بالتعبية والآلة، وبات بوادي النجاء. ثم أصبح على تعبيته وأغذّ السير إلى مكناسة، فزحف إليه عبد المؤمن وابن أخيه عبد الرحمن في جموعهما فجاولهما القتال ساعة، ثم صمم إليهم فدفعهم عن مكناسة. وانكشفوا فلحقوا بأخيهم السلطان عبد الحليم بتازى، ونزل الوزير عمر بساحة مكناسة، وأوفد بالفتح على السلطان، وكنت وافده إليه يومئذ، فعمّت البشرى واتصل السرور. وتهنّأ السلطان بملكه وتودّع من يومئذ سلطانه. ولمّا