للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محسّنات الكلام ومزيّناته، فهي بمثابة الخيلان في الوجه يحسن بالواحد والاثنين منها، ويقبح بتعدادها. وعلى نسبة الكلام المنظوم هو الكلام المنثور في الجاهليّة والإسلام. كان أوّلا مرسلا معتبر الموازنة بين جمله وتراكيبه، شاهدة موازنته بفواصله، من غير التزام سجع ولا اكتراث بصنعة. حتّى نبغ إبراهيم بن هلال الصابي كاتب بني بويه، فتعاطى الصنعة والتّقفية وأتى بذلك بالعجب.

وعاب النّاس عليه كلفه بذلك في المخاطبات السلطانيّة. وإنّما حمله عليه ما كان في ملوكه من العجمة والبعد عن صولة الخلافة المنفقة لسوق البلاغة. ثمّ انتشرت الصناعة بعده في منثور المتأخّرين ونسي عهد الترسيل وتشابهت السلطانيّات والإخوانيّات والعربيّات بالسوقيّات. واختلط المرعيّ بالهمل. وهذا كلّه يدلّك على أنّ الكلام المصنوع بالمعاناة والتكليف، قاصر عن الكلام المطبوع، لقلّة الاكتراث فيه بأصل البلاغة، والحاكم في ذلك الذّوق. والله خلقكم وعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون.

[الفصل التاسع والخمسون في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر]

اعلم أنّ الشّعر كان ديوانا للعرب فيه علومهم وأخبارهم وحكمهم. وكان رؤساء العرب منافسين [١] فيه وكانوا يقفون بسوق عكاظ لإنشاده وعرض كلّ واحد منهم ديباجته على فحول الشّأن وأهل البصر لتمييز حوله. حتّى انتهوا إلى المناغاة في تعليق أشعارهم بأركان البيت الحرام موضع حجّهم وبيت أبيهم إبراهيم كما فعل امرؤ القيس ابن حجر والنّابغة الذّبيانيّ وزهير بن أبي سلمى وعنترة بن شدّاد وطرفة بن العبد وعلقمة بن عبدة والأعشى وغيرهم من أصحاب المعلّقات السّبع [٢] . فإنّه إنّما كان يتوصّل إلى تعليق الشّعر بها من كان له قدرة


[١] وفي نسخة أخرى: متنافسين.
[٢] وفي النسخة الباريسية: التسع.

<<  <  ج: ص:  >  >>