للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ذلك بقومه وعصبيّته ومكانه في مضر على ما قيل في سبب تسميتها بالمعلّقات. ثمّ انصرف العرب عن ذلك أوّل الإسلام بما شغلهم من أمر الدّين والنّبوة والوحي وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه فأخرسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض في النّظم والنّثر زمانا. ثمّ استقرّ ذلك وأونس الرّشد من الملّة. ولم ينزل الوحي في تحريم الشّعر وحظره وسمعه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأثاب عليه، فرجعوا حينئذ إلى ديدنهم منه. وكان لعمر بن أبي ربيعة كبير قريش لذلك العهد مقامات فيه عالية وطبقة مرتفعة وكان كثيرا ما يعرض شعره على ابن عبّاس فيقف لاستماعه معجبا به. ثمّ جاء من بعد ذلك الملك الفحل والدّولة العزيزة وتقرّب إليهم العرب بأشعارهم يمتدحونهم بها. ويجيزهم الخلفاء بأعظم الجوائز على نسبة الجودة في أشعارهم ومكانهم من قومهم ويحرصون على استهداء أشعارهم يطّلعون منها على الآثار والأخبار واللّغة وشرف اللّسان. والعرب يطالبون ولدهم بحفظها. ولم يزل هذا الشّأن أيّام بني أميّة وصدرا من دولة بني العبّاس. وانظر ما نقله صاحب العقد في مسامرة الرّشيد للأصمعيّ في باب الشّعر والشّعراء تجد ما كان عليه الرّشيد من المعرفة بذلك والرّسوخ فيه والعناية بانتحاله والتّبصّر بجيّد الكلام ورديئه وكثرة محفوظه منه. ثمّ جاء خلق من بعدهم لم يكن اللّسان لسانهم من أجل العجمة وتقصيرها باللّسان وإنّما تعلّموه صناعة ثمّ مدحوا بأشعارهم أمراء العجم الّذين ليس اللّسان لهم طالبين معروفهم فقط لا سوى ذلك من الأغراض كما فعله حبيب والبحتريّ والمتنبّي وابن هانئ ومن بعدهم وهلمّ جرّا. فصار غرض الشّعر في الغالب إنّما هو الكذب [١] والاستجداء لذهاب المنافع الّتي كانت فيه للأوّلين كما ذكرناه آنفا. وأنف منه لذلك أهل الهمم والمراتب من المتأخّرين وتغيّر الحال وأصبح تعاطيه هجنة في الرّئاسة ومذمّة لأهل المناصب الكبيرة. والله مقلّب اللّيل والنّهار.


[١] وفي نسخة أخرى: للكدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>