السن واستصغره سليمان بن كثيّر فردّه وكان أبو داود خالد بن إبراهيم غائبا وراء النهر، فلما جاء إلى مرو أقرأه كتاب الإمام وسألهم عن أبي مسلم فأخبروه أنّ سليمان بن كثيّر ردّه لحداثة سنّه وأنه لا يقدر على الأمر، فنخاف على أنفسنا وعلى من يدعوه فقال لهم أبو داود: إنّ الله بعث نبيّه صلى الله عليه وسلم إلى جميع خلقه، وأنزل عليه كتابه بشرائعه وأنبأه بما كان وما يكون وخلف علمه رحمة لأمته وعمله إنما هو عند عترته وأهل بيته وهم معدن العلم وورثة الرسول فيما علمه الله أتشكون في شيء من ذلك؟ قالوا: لا. قال: فقد شككتم والرجل لم يبعثه إليكم حتى علم أهليته لما يقوم به فبعثوا عن أبي مسلم وردّوه من قومس بقول أبي داود وولوه أمرهم وأطاعوه ولم تزل في نفس أبي مسلم من سليمان بن كثيّر. ثم بعث الدعاة ودخل الناس في الدعوة أفواجا واستدعاه الإمام سنة تسع وعشرين أن يوافيه بالمرسوم ليأمره في إظهار الدعوة وأن يقدم معه قحطبة بن شبيب ويحمل ما اجتمع عنده من الأموال فسار في جماعة من النقباء والشيعة فلقيه كتاب الإمام بقومس يأمره بالرجوع وإظهار الدعوة بخراسان، وبعث قحطبة بالمال وأنّ قحطبة سار إلى جرجان. واستدعى خالد بن برمك وأبا عون فقدما بما عندهما من مال الشيعة فسار به نحو الإمام.
[مقتل الكرماني]
قد ذكرنا من قبل أنّ الكرماني قتل الحرث بن شريح فخلصت له مرو وتنحّى نصر عنها ثم بعث نصر سالم بن أحور في رابطته وفرسانه إلى مرو فوجد يحيي بن نعيم الشّيبانيّ في ألف رجل من ربيعة ومحمد بن المثنّى في سبعمائة من الأزد وأبو الحسن ابن الشيخ في ألف منهم والحربي السغدي [١] في ألف من اليمن. فتلاحى سالم وابن المثنّى وشتم سالم الكرماني فقاتلوه فهزموه وقتل من أصحابه نحو مائة. فبعث نصر بعده عصمة بن عبد الله الأسديّ فكان بينهم مثل ما كان أوّلا، فقاتلهم محمد السغدي، فانهزم السغدي وقتل من أصحابه أربعمائة. ورجع إلى نصر فبعث مالك بن عمر التميميّ فاقتتلوا كذلك وانهزم مالك وقتل من أصحابه سبعمائة ومن أصحاب الكرماني ثلاثمائة. ولما استيقن أبو مسلم أن كلا الفريقين قد أثخن صاحبه وأنه لا مدد لهم جعل يكتب إلى شيبان الخارجي يذمّ اليمانية تارة ومضر أخرى ويوصي
[١] وفي الكامل لابن الأثير ج ٥ ص ٣٦٣: الجرجيّ السعدي.