للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة لنصرهم وتردّد خبر السّماء بينهم وتجدّد خطاب الله في كلّ حادثة تتلى عليهم فلم يحتج إلى مراعاة العصبيّة لما شمل النّاس من صبغة الانقياد والإذعان وما يستفزّهم من تتابع المعجزات الخارقة والأحوال الإلهيّة الواقعة والملائكة المتردّدة الّتي وجموا منها ودهشوا من تتابعها فكان أمر الخلافة والملك والعهد والعصبيّة وسائر هذه الأنواع مندرجا في ذلك القبيل كما وقع فلمّا انحصر ذلك المدد بذهاب تلك المعجزات ثمّ بفناء القرون الّذين شاهدوها فاستحالت تلك الصّبغة قليلا قليلا وذهبت الخوارق وصار الحكم للعادة كما كان فاعتبر أمر العصبيّة ومجاري العوائد فيما ينشأ عنها من المصالح والمفاسد وأصبح الملك والخلافة والعهد بهما مهمّا من المهمّات الأكيدة كما زعموا ولم يكن ذلك من قبل فانظر كيف كانت الخلافة لعهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غير مهمّة فلم يعهد فيها ثمّ تدرّجت الأهميّة زمان الخلافة بعض الشّيء بما دعت الضّرورة إليه في الحماية والجهاد وشأن الرّدّة والفتوحات فكانوا بالخيار في الفعل والتّرك كما ذكرناه عن عمر رضي الله عنه ثمّ صارت اليوم من أهمّ الأمور للإلفة على الحماية والقيام بالمصالح فاعتبرت فيها العصبيّة الّتي هي سرّ الوازع عن الفرقة والتّخاذل ومنشأ الاجتماع والتّوافق الكفيل بمقاصد الشّريعة وأحكامها.

والأمر الثّالث شأن الحروب الواقعة في الإسلام بين الصّحابة والتّابعين

فاعلم أنّ اختلافهم إنّما يقع في الأمور الدّينيّة وينشأ عن الاجتهاد في الأدلّة الصّحيحة والمدارك المعتبرة والمجتهدون إذا اختلفوا فإن قلنا إنّ الحقّ في المسائل الاجتهاديّة واحد من الطّرفين ومن لم يصادفه فهو مخطئ فإنّ جهته لا تتعيّن بإجماع فيبقى الكلّ على احتمال الإصابة ولا يتعيّن المخطئ منها والتأثيم مدفوع عن الكلّ إجماعا وإن قلنا إنّ الكلّ حقّ وإنّ كلّ مجتهد مصيب فأحرى بنفي الخطإ والتّأثيم وغاية الخلاف الّذي بين الصّحابة والتّابعين أنّه خلاف اجتهاديّ في مسائل دينيّة ظنّيّة وهذا حكمه والّذي وقع من ذلك في الإسلام إنّما هو

<<  <  ج: ص:  >  >>