بذلك صدور الغوغاء من أذيال الدولة، ولفظت به ألسنة الدهماء من المدينة. وأمر محمد بن هشام أن لا يركبوا ولا يتسلحوا وردوا في بعض الأيام من باب القصر، وانتهب العامّة يومئذ دورهم، ودخل زاوي وابن أخيه حساسة وأبو الفتوح بن الناصر على المهدي شاكين بما أصابهم، فاعتذر إليهم وقتل من آذاهم من العامّة في أمرهم، وكان مع ذلك مظهرا لبغضهم مجاهرا بسوء الثناء عليهم. وبلغهم انه سرّه الفتك بهم فتمشت رجالاتهم، وأسروا نجواهم. واتفقوا على بيعة هشام بن سليمان ابن أمير المؤمنين الناصر لدين الله، وفشا في الخاصّة حديثهم، فعوجلوا عن أمرهم ذلك، وأغرى بهم السواد الأعظم، فثاروا بهم وأزعجوهم [١] عن المدينة، وتقبض على هشام وأخيه أبي بكر، وأحضرا بين يدي المهدي فضرب أعناقهما، ولحق سليمان ابن أخيهما الحكم بجنود البربر وزناتة وقد اجتمعوا بظاهر قرطبة وتآمروا فبايعوه ولقّبوه المستعين باللَّه، ونهضوا به إلى ثغر طليطلة فاستجاش بابن أدفونش. ثم نهض في جموع البرابرة والنصرانية إلى قرطبة، وبرز إليهم المهدي في كافة أهل البلد وخاصة الدولة، وكانت الدبرة عليهم، واستلحم منهم ما يزيد على عشرين ألفا، وهلك من خيار الناس وأئمة المساجد وسدنتها ومؤذنيها عالم. ودخل المستعين قرطبة خاتم المائة الرابعة ولحق ابن عبد الجبّار بطليطلة.
[(رجوع المهدي إلى ملكه بقرطبة)]
ولما استولى المستعين على قرطبة خالفه محمد بن هشام المهدي إلى طليطلة واستجاش بابن أدفونش ثانية، فنهض معه إلى قرطبة وهزم المستعين والبرابرة بعقبة البقر من ظاهرها في آخر باب سبتة، ودخل المهدي قرطبة وملكها.
[(هزيمة المهدي وبيعته للمؤيد هشام ومقتله)]
ولما دخل المهدي إلى قرطبة خرج المستعين إلى البرابرة، وتفرّقوا في البسائط والقرى