ووصل الخبر إلى بركة فأسرع الكرّ من البحيرة وانتظم الحال ونظروا في الوظائف التي خلت في هذه الفتنة فعمروها بمن يقوم بها واختصوا بها من حسن غناؤه في هذه الواقعة مثل قردم وقرط وذلك سنة احدى وثمانين واقام انيال معتقلا بالإسكندرية ثم أفرج عنه في صفر سنة اثنتين وثمانين وولى على طرابلس ثم توفي منكلي بقا الاحمدي نائب حلب فولى انيال مكانه ثم تقبض عليه آخر السنة وحبس بالكرك وولى مكانه بيبقا الحمدي نائب دمشق فولى مكانه بندمر الخوارزمي ثم توفي سنة احدى وثمانين جيار بن المهنا أمير العرب بالشام فولى مكانه معيقل بن فضل بن عيسى وزامل بن موسى بن عيسى شريكين ثم عزلا وولى يعبر بن جيار.
[ثورة بركة ونكبته واستقلال الأمير برقوق بالدولة]
كان هذا الأمير بركة يعادل الأمير برقوق في حمل الدولة كما ذكرناه وكان أصحابه يفوّضون اليه الاستبداد في الأموال وكان الأمير برقوق كثير التثبت في الأمور والميل إلى المصالح فيعارضهم في الغالب ويضرب على أيديهم في الكثير من الأحوال فغصوا بمكانه وأغروا بركة بالتوثب والاستقلال بالأمر وسعوا عنده باشمس من كبار أصحاب الأمير برقوق وأنه يحمل برقوق على مقاطعة بركة ويفسد ذات بينهما وأنه يطلب الأمر لنفسه وقد اعتزم على الوثوب عليهما فجاء بركة بذلك إلى الأمير برقوق وأراد القبض على اشمس فمنعه الأمير برقوق ودفع عنه وعظم انحراف بركة على أشمس ثم عن الأمير برقوق وسعى في الإصلاح بينهما الأكابر حتى كمال الدين شيخ التكية والخلدي شيخ الصوفية من أهل خراسان وجاءوا بأشمس إلى بركة مستعتبا فأعتبه وخلع عليه ثم عاود انحرافه ثانية فمسح أعطافه وسكن وهو مجمع الثورة والفتك ثم عاود حاله تلك ثالثة واتفق أن صنع في بيت الأمير برقوق لسرور وليمة في بعض أيام الجمعة في شهر ربيع سنة اثنتين وثمانين وحضر عنده أصحاب بركة كلهم وأهل شوكته وقد جاءه النصيح بأنّ بركة قد أجمع الثورة غداة يومه فقبض الأمير برقوق على من كان عنده من أصحاب بركة ليقص جناحه منهم وأركب حاشيته للقبض عليه واصعد بدلان الناصري على مئذنة مدرسة حسن فنضحه بالنبل في اصطبله وركب بركة إلى قبة النصر وخيم بها ونودي في العامّة بنهب بيوته فنهبوها للوقت وخرّبوها وتحيز اليه بيبقا الناصري فخرج معه وجلس الأمير برقوق بباب القلعة من ناحية الاصطبل وسرّح الفرسان للقتال واقتتلوا عامّة يومهم فزحف بركة على تعبيتين إحداهما لبيبقا الناصري وخرج الاق الشعبانيّ للقائه وأشمس للقاء بيبقا الناصري فانهزم أصحاب بركة ورجع إلى قبة النصر وقد اثخنوا بالجراح