الفنون الثّلاثة متغايرة مختلفة وأبعدها من جنس الفنون والعلوم مدارك المتصوّفة لأنّهم يدّعون فيها الوجدان ويفرّون عن الدّليل والوجدان بعيد عن المدارك العلميّة وأبحاثها [١] وتوابعها كما بيّنّاه ونبيّنه. والله يهدي من يشاء إلى طريق مستقيم والله أعلم بالصّواب.
[الفصل الثامن والعشرون في علوم السحر والطلسمات]
وهي علوم بكيفيّة استعدادات تقتدر النّفوس البشريّة بها على التّأثيرات في عالم العناصر إمّا بغير معين أو بمعين من الأمور السّماويّة والأوّل هو السّحر والثّاني هو الطّلسمات ولمّا كانت هذه العلوم مهجورة عند الشّرائع لما فيها من الضّرر ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أو غيره كانت كتبها كالمفقودة بين النّاس. إلّا ما وجد في كتب الأمم الأقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السّلام مثل النّبط والكلدانيّين فإنّ جميع من تقدّمه من الأنبياء لم يشرعوا الشّرائع ولا جاءوا بالأحكام إنّما كانت كتبهم مواعظ وتوحيدا للَّه وتذكيرا بالجنّة والنّار وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السّريانيّين والكلدانيّين وفي أهل مصر من القبط وغيرهم. وكان لهم فيها التّآليف والآثار ولم يترجم لنا من كتبهم فيها إلّا القليل مثل الفلاحة النّبطيّة من أوضاع أهل بابل فأخذ النّاس منها هذا العلم وتفنّنوا فيه ووضعت بعد ذلك الأوضاع مثل مصاحف الكواكب السّبعة وكتاب طمطم الهنديّ في صور الدّرج والكواكب وغيرها. ثمّ ظهر بالمشرق جابر بن حيّان كبير السّحرة في هذه الملّة فتصفّح كتب القوم واستخرج الصّناعة وغاص في زبدتها واستخرجها ووضع فيها غيرها من التّآليف وأكثر الكلام فيها وفي صناعة