للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يومهم. واستضاءوا بإضرام النيران مخافة البيات، وأصبحوا على التعبية. وتمشت الرجالات في مواضعة الحرب، فأعجبهم مناشبة القوم، وتزاحفت الصفوف، وأعلم الكماة، وكشفت الحرب عن ساقها، وحمي الوطيس، وهبت الريح المبشرة، فخفقت لها رايات الأمير وهدرت طبوله، ودارت رحى الحرب وصمدت إليها كتائب العرب، فبرئ [١] فيها الأبطال منهم وانكشفوا، وأجلت المعركة عن عبد الله ابن صغير صريعا، فأمر أبو تاشفين فاحتزّ رأسه وطيّر به البريد إلى أبيه. ثم عثرت المواكب بأخيه ملّوك بن صغير مع العبّاس ابن عمه موسى بن عامر، ومحمد بن زيّان من وجوه عشيرتهم متواقعين بجنودهم متضاجعين في مراقدهم كأنما أقعدوا للردي، فوطأتهم سنابك الخيل وغشيهم قتام المراكب. وأطلقت العساكر أعنّتها في اتباع القوم فاستاقوا نعمهم وأموالهم. وكثرت يومئذ الأنفال، وغشيهم الليل فتستّروا بجناحه. ولحقهم فلّهم بجبل راشد، وأطرب أبو تاشفين أباه بمشتهى ظهوره وأملاه السرور بما صنع الله على يده، وما كان له ولقومه من الأثر في مظاهرة أوليائه. وطار له بها ذكر على الأيام، ورجع إلى أبيه بالحضرة مملوء الحقائب بالأنفال والجوانح بالسرور والأيام بالذكر عنه وعن قومه، ومضى خالد لوجهه في فلّ من قومه. ولحق بجبل راشد إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله، والله تعالى أعلم.

(الخبر عن انتقاض سالم بن إبراهيم ومظاهرته خالد بن عامر على الخلاف وبيعتهما للأمير أبي زيان ثم مهلك خالد ومراجعة سالم الطاعة وخروج أبي زيان الى بلاد الجريد)

كان سالم بن إبراهيم هذا كبير الثعالبة المتغلّبين على حصن متيجة منذ انقراض مليكش، وكانت الرئاسة فيهم لأهل بيته حسبما ذكرناه في أخبارهم عند ذكر المعقل. ولما كانت فتنة أبي زيّان بعد نكبة أبي حمّو على بجاية، وهبّت ريح العرب واستغلظ أمرهم، وكان سالم هذا أوّل من غمس يده في تلك الفتنة، ومكر بعليّ بن غالب من بيوتات الجزائر، كان مغربا عنها منذ تغلّب بني مرين على المغرب الأوسط


[١] وفي نسخة ثانية: فتردى.

<<  <  ج: ص:  >  >>