[(الخبر عن دولة السليمانيين من بني الحسن بمكة ثم بعدها باليمن ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم)]
مكّة هذه أشهر من أن نعرّف بها أو نصفها، إلا أنه لمّا انقرض سكانها من قريش بعد المائة الثانية بالفتن الواقعة بالحجاز من العلويّة مرّة بعد أخرى، فأقفرت من قريش ولم يبق بها إلا أتباع بني حسن أخلاط من الناس، ومعظمهم موال سود من الحبشة والديلم. ولم يزل العمّال عليها من قبل بني العبّاس وشيعتهم والخطبة لهم إلى أن اشتغلوا بالفتن أيام المستعين والمعتز وما بعدهما، فحدثت الرئاسة فيها لبني سليمان ابن داود بن حسن المثنّى بن الحسن السبط. وكان كبيرهم آخر المائة الثانية محمد بن سليمان وليس هو سليمان بن داود لأنّ ذلك ذكره ابن حزم أنه قام بالمدينة أيام المأمون، وبين العصرين نحو من مائة سنة، سنة إحدى وثلاثمائة أيام المقتدر، وخلع طاعة العبّاسية، وخطب في الموسم فقال: الحمد للَّه الّذي أعاد الحق إلى نظامه، وأبرز زهر الإيمان من أكمامه، وكمّل دعوة خير الرسل بأسباطه لا بني أعمامه صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وكفّ عنّا ببركته أسباب المعتدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم الدين، ثم أنشد:
لأطلبن بسيفي ... ما كان للحقّ دينا
وأسطونّ بقوم ... بغوا وجاروا علينا
يعدون كل بلاد ... من العراق علينا
وكان يلقّب بالزبيدي نسبة إلى نحلته من مذاهب الإمامية، وبقي ركب العراق يتعاهد مكة إلى أن اعترضه أبو طاهر القرمطيّ سنة اثنتي عشرة، وأسر أبا الهيجاء بن حمدان والد سيف الدولة وجماعة معه، وقتل الحجّاج وترك النساء والصبيان بالقفر فهلكوا، وانقطع الحاج من العراق بسبب القرامطة. ثم أنفذ المقتدر سنة سبع عشرة منصور الديليّ من مواليه فوافاه يوم التروية بمكّة أبو طاهر القرمطي فنهب الحاج، وقتلهم حتى في الكعبة والحرم، وامتلأ زمزم بالقتل، والحجّاج يصيحون: كيف يقتل جيران الله؟ فيقول: ليس بجار من خالف أوامر الله ونواهيه. ويتلو: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية. وكان يخطب لعبيد الله المهدي صاحب إفريقية. ثم قلع الحجر الأسود وحمله إلى الأحساء وقلع باب البيت وحمله، وطلع رجل يقلع