للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميزاب فسقط ومات، فقال: اتركوه فإنه محروس حتى يأتي صاحبه يعني المهدي، فكتب إليه ما نصّه: والعجب من كتبك إلينا ممتنا علينا بما ارتكبته واجترمته باسمنا من حرم الله وجيرانه بالأماكن التي لم تزل الجاهلية تحرّم إراقة الدماء فيها، وإهانة أهلها. ثم تعدّيت ذلك وقلعت الحجر الّذي هو يمين الله في الأرض يصافح بها عباده، وحملته إلى أرضك، ورجوت أن نشكرك فلعنك الله ثم لعنك والسلام على من سلم المسلمون من لسانه ويده، وفعل في يومه ما عمل فيه حساب غده انتهى.

فانحرفت القرامطة عن طاعة العبيديّين لذلك. ثم قتل المقتدر على يد مؤنس سنة عشرين وثلاثمائة وولي أخوه القاهر، وحجّ بالناس أميره تلك السنة. وانقطع الحج من العراق بعدها إلى أن كاتب أبو علي يحيى الفاطمي سنة سبع وعشرين من العراق أبا طاهر القرمطي أن يطلق السبيل للحجّاج على مكس [١] يأخذه منهم. وكان أبو طاهر يعظّمه لدينه ويؤمّله فأجابه إلى ذلك، وأخذ المكس من الحجّاج ولم يعهد مثله في الإسلام. وخطب في هذه السنة بمكة للراضي بن المقتدر. وفي سنة تسع وعشرين لأخيه المقتفي من بعده. ولم يصل ركب العراق في هذه السنين من القرامطة. ثم ولي المستكفي بن المكتفي سنة ثلاث وثلاثين على يد توروز أمير الأمراء ببغداد فخرج الحاج في هذه السنة لمهادنة القرامطة بعد أبي طاهر. ثم خطب للمطيع بن المقتدر بمكّة مع معزّ الدولة سنة أربع وثلاثين عند ما استولى معزّ الدولة ببغداد وقلع عين المستكفي واعتقله. ثم تعطّل الحاج بسبب القرامطة وردّوا الحجر الأسود سنة تسع وثلاثين بأمر المنصور العلويّ صاحب إفريقية وخطابه في ذلك لأميرهم أحمد بن أبي سعيد. ثم جاء الحاج إلى مكّة سنة اثنتين وأربعين مع أمير من العراق، وأمير من مصر، فوقعت الحرب بينهما على الخطبة لابن بويه ملك العراق، أو ابن الإخشيد صاحب مصر، فانهزم المصريون وخطب لابن بويه، واتصل ورود الحاج من يومئذ. فلما كانت سنة ثمان وأربعين وجاء الحاج من بغداد ومصر كان أمير الحاج من العراق ومحمد بن عبيد الله [٢] فأجابه إلى ذلك. ثم جاء إلى المنبر مستعدا وأمر بالخطبة لابن


[١] مكس: ج مكوس وهي الضريبة.
[٢] هكذا بياض بالأصل وفي الكامل لابن الأثير ج ٨ ص ٥٠٩: «وفيها- ٣٤٣- وقعت الحرب بمكة بين أصحاب معزّ الدولة وأصحاب ابن طغج من المصريين فكانت الغلبة لأصحاب معز الدولة، فخطب بمكة والحجاز لركن الدولة ومعز الدولة وولده عز الدولة بختيار وبعدهم لابن طغج.» ابن خلدون م ٩ ج ٤

<<  <  ج: ص:  >  >>