للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مرسية، وخرج عنها إلى لقنت [١] الحصون سنة ثمان وثلاثين وستمائة، إلى أن أخذها طاغية برشلونة من يده سنة أربع وأربعين وستمائة، وأجاز إلى تونس، والبقاء للَّه.

[(الخبر عن الجوهري وأوليته ومآل أمره)]

اسم هذا الرجل: محمّد بن محمد الجوهري، وكان مشتهرا بخدمة ابن أكمازير الهنتاتي والي سبتة وغمارة من أعمال المغرب. وكان حسن الضبط متراميا إلى الرئاسة. ولمّا ورد على تونس وتعلّق بأعمال السلطان نظر فيما يزلفه ويرفع من شأنه، فوجد جباية أهل الخيام بإفريقية من البرابرة الموطّنين مع الأعراب غير منضبطة ولا محصلة [٢] في ديوان، فنبّه على أنها مأكلة للعمّال ونهبة للولاة، فدفع إليها فأنمى [٣] جبايتها وقرّر ديوانها، وصارت عملا منفردا يسمّى عمل العمود وطار له بذلك بين العمال ذكر، جذب له السلطان أبو زكريا بضبعه، وعوّل على نصيحته واثره باختصاصه. ووافق ذلك موت أبي الربيع الكنفيتي المعروف بابن الغريغر [٤] صاحب الأشغال بالحضرة، فاستعمل مكانه، وكان لا يلي تلك الخطّة إلا كبير من مشيخة الموحّدين، فرشّحه السلطان لها لكفايته وغنائه، فظفر منها بحاجة نفسه، واعتدّها ذريعة إلى أمنيّته، فاتّخذ شارة أرباب السيوف، وارتبط الخيل واتخذ الآلة في حروبه مع أهل البادية إذا احتاج إليها.

وأسف أثناء ذلك أبا علي بن النعمان وأبا عبيد الله بن أبي الحسن بعدم الخضوع لهما، فنصبا له، واغريا به السلطان، وحذّراه غائلة عصيانه. وكان فيه إقدام أوجد به السبيل على نفسه، ويحكى أن السلطان استشاره ذات يوم في تقويم بعض أهل الخلاف والعصيان، فقال له: عندي ببابك ألف من الجنود أرم بها من تشاء من أمثالهم، فأعرض عنه السلطان واعتدّها عليه. وجعلها مصداقا لما نمي عنه. ولمّا


[١] وفي نسخة أخرى: لمنت.
[٢] وفي نسخة أخرى: محصيّة.
[٣] وفي نسخة أخرى: فأنهى.
[٤] وفي نسخة أخرى: موت أبي الربيع الكنفيسي المعروف بابن القريقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>