الخوارج اشتدّ القتال بينهم ومال الخوارج على المهلب فاضطروه إلى معسكره وأمدّه عبد الرحمن بالخيل والرجال، ولما رأى الخوارج مدده تركوا من يشغل المهلّب وقصدوا عبد الرحمن فقاتلوه وانكشفوا عنه، وصبر في سبعين من قومه فثابوا إلى عتاب بن ورقاء، وقد أمره الحجّاج أن يسمع للمهلّب فثقل ذلك عليه، فلم يحسن بينهما العشرة وكان يتراءف في الكلام، وربما أغلظ له المهلب. فأرسل عتاب إلى الحجّاج يسأله القعود، وكان حرب الخوارج وشبيب قد اتسع عليه، فصادفا منه ذلك مرقعا [١] واستقدمه وأمره أن يترك العسكر مع المهلّب فولّى المهلب عليهم ابنه حبيبا، وأقام يقاتلهم بنيسابور نحوا من سنة وتحرّكت الخوارج على الحجّاج من لدن سنة ستة وسبعين إلى سنة ثمان وشغل بحربهم وأوّل من خرج منهم صالح بن سرح من بني تميم بعث إليه العساكر فقتل فولّوا عليهم شبيبا واتبعه كثير من بني شيبان وبعث إليهم الحجّاج العساكر مع الحرث بن عميرة ثم مع سفيان الخثعميّ ثم انحدر ابن سعيد فهزموها وأقبل شبيب إلى الكوفة فحاربهم الحجّاج وامتنع ثم سرّح عليه العساكر وبعث في أثرهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهزموهم. ثم بعث عتّاب بن ورقاء وزهرة بن حويّة مددا لهم فانهزموا وقتل عتاب وزهرة ثم قتل شبيب واختلف الخوارج بينهم وقتل منهم جماعة كما يذكر ذلك كله في أخبارهم.
[ضرب السكة الإسلامية]
كان عبد الملك كتب في صدر كتابه إلى الروم: قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ١١٢: ١ وذكر النبيّ مع التاريخ، فنكر ذلك ملك الروم وقال: اتركوه وإلّا ذكرنا نبيكم في دنانيرنا بما تكرهونه فعظم ذلك عليه واستشار الناس فأشار عليه خالد بن يزيد بضرب السكة وترك دنانيرهم ففعل. ثم نقش الحجّاج فيها قل هو الله أحد فكره الناس ذلك لأنه قد يمسّها غير الطاهر. ثم بالغ في تخليص الذهب والفضة من الغش وزاد ابن هبيرة أيام يزيد بن عبد الملك عليه. ثم زاد خالد القسريّ عليهم في ذلك أيام هشام ثم أفرط يوسف بن عمر من بعدهم في المبالغة وامتحان العيار وضرب عليه فكانت الهبيريّة والخالديّة واليوسفيّة أجود نقود بني أمية. ثم أمر المنصور أن لا يقبل في الخراج غيرها وسميت النقود الأولى مكروهة إمّا لعدم جودتها أو لما نقش عليها الحجّاج
[١] لا معنى للكلمة مرقعا ولعلها: وصادف منه ذلك موقعا.