للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معدّ جعفر بن علي من المسيلة لتولية إفريقية حين اعتزم على الرحيل إلى القاهرة، فاستراب مما كانت السعاية كبرت فيه. وبعث معدّ المعزّ بعض مواليه فخافه جعفر على نفسه، وهرب من المسيلة ولحق بمغراوة فاشتملوا عليه، وألقوا بيده زمام أمرهم، وقام فيهم بدعوة الحكم المستنصري. وكانوا أقدم لها إجابة وفاوضهم زيري الحرب قبل استفحالهم فزحف إليهم واقتتلوا قتالا شديدا.

وكانت على زيري الدبرة وكبابه فرسه، وأجلت الهزيمة عن مصرعه ومصارع حاميته من قومه فجزوا رأسه وبعثوا به الى الحكم المستنصر بقرطبة في وفد أوفدوه عليه من أمرائهم يؤدّون الطاعة ويؤكّدون البيعة، ويجمعون لقومهم النصرة. وكان مقدّم وفدهم يحيى بن علي أخو جعفر هذا كما ذكرناه. وهلك زيري هذا سنة ستين وثلاثمائة لست وعشرين سنة من ولايته. ولما وصل خبره إلى ابنه بلكّين وهو بأشير نهض إلى زناتة ودارت بينهم حرب شديدة. فانهزمت زناتة وثأر بلكّين بأبيه وقومه، واتصل ذلك بالسلطان محمد أثره وعقد له على عمل أبيه بأشير وتيهرت وسائر أعمال المغرب، وضمّ إليه المسيلة والزاب وسائر عمل جعفر فاستعتب واستفحل أمره واتسعت ولايته وأثخن في البربر أهل الخصوص من أحرابه [١] وهوّارة ونفزة وتوغّل في المغرب في طلب زناتة فأثخن فيهم. ثم رجع واستقدمه السلطان لولاية إفريقية فقدم سنة إحدى وستين وثلاثمائة واستبلغ السلطان في تكريمه ونفس ذلك عليه كتامة. ثم نهض السلطان إلى القاهرة واستخلفه كما نذكره. وكان ذلك أوّل دولة آل زيري بإفريقية والله تعالى أعلم.

[الخبر عن دولة آل زيري بن مناد ولاة العبيديين من هذه الطبقة بإفريقية وتصاريف أحوالهم]

لما أخذ المعزّ في الرحلة إلى المشرق وصرف اهتمامه إلى ما يتخلف وراء ظهره من الممالك والعمالات، ونظر فيمن يولّيه أمر إفريقية والمغرب ممن له الغناء والاضطلاع، وبه الوثوق من صدق التشييع ورسوخ القدم في دراية الدولة، فعثر اختياره على بلكّين بن


[١] وفي نسخة أخرى: مزاتة.

<<  <  ج: ص:  >  >>