للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حشود البربر وعظمت نكايته في العدوّ وكان الفتح. وصحبه المنصور إلى أن انصرف من المغرب ووصله صلات سنيّة. وعقد له على قومه وأذن له في اتخاذ القصور والمنازل والحمامات بمدينة أشير. وعقد له على تاهرت وأعمالها.

ثم اختطّ ابنه بلكّين بأمره وعلى عهده مدينة الجزائر المنسوبة لبني مزغنة بساحل البحر، ومدينة مليانة بالعدوة الشرقية من شلف، ومدينة لمدونة [١] . وهم بطن من بطون صنهاجة وهذه المدن لهذا العهد من أعظم مدن المغرب الأوسط، ولم يزل زيري على ذلك قائما بدعوة العبيديّين منابذا لمغراوة، واتصلت الفتنة فيهم. ولما نهض جوهر الكاتب إلى المغرب الأقصى أيام معدّ المعز لدين الله أمره أن يستصحب زيري بن مناد فصحبه إلى المغرب وظاهره على أمره. ولما ظهر يعلى بن محمد النفزي [٢] اتهمه زناتة بالممالاة عليه. ولما نزل جوهر فاس وبها أحمد بن بكر الجذامي، وطال حصاره إياها، كان لزيري في حصارها أعظم العياء، وكان فتحها على يده. سهر ذات ليلة وصعد سورها فكان الفتح.

ولما استمرّت الفتنة بين زيري بن مناد ومغراوة ووصلوا أيديهم بالحاكم المستنصر وأقاموا دعوة المروانية بالمغرب الأوسط، وشمّر محمد بن الخير بن محمد بن خزر لذلك، رماه معدّ لقريعة زيري في قومه واحتشد أهل وطنه وقد جمع له محمد بن الخير وزناتة، فسرّح إليهم ولده بلكّين في مقدّمة، وعارضهم قبل استكمالهم التعبية، فدارت بينهم حرب شديدة بعد العهد بمثلها يومئذ. واختلّ مصاف مغراوة وزناتة. ولما أيقن محمد بن الخير بالمهلكة وعلم أنه أحيط به مال إلى ناحية من العسكر، وتحامل على سيفه فذبح نفسه وانفض جموع زناتة، واستمرّت الهزيمة عليهم سائر يومهم فاستلحموا، ومكثت عظامهم ماثلة بمصارعهم عصورا.

وهلك فيما زعموا بضعة عشر أميرا منهم، وبعث زيري برءوسهم إلى المعزّ بالقيروان فعظم سروره وهشّ لها الحكم المستنصر صاحب الدعوة بما أوهنوا من أمره.

واستطال زيري وصنهاجة على بوادي المغرب، وغلب يده على جعفر بن علي صاحب المسيلة والزاب وسما به في الرتب عند الخلافة وتاخمه في العمالة. واستدعى


[١] وفي النسخة الباريسية لمدرية، وفي النسخة التونسية: لمدية.
[٢] وفي نسخة أخرى: ولما قتل يعلى بن محمد اليفرني.

<<  <  ج: ص:  >  >>