للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(الخبر عن مهلك الحاجب المزوار وولاية ابن سيد الناس مكانه ومقتل ابن القالون)]

هذا الرجل محمد بن القالون المعروف بالمزوار، لا أدري من أوّليته أكثر من أنه كرديّ من الأكراد الذين وفد رؤساؤهم على ملوك المغرب أيام أجلاهم التتر عن أوطانهم بشهرزور عند تغلّبهم على بغداد سنة ست وخمسين وستمائة، فمنهم من أقام بتونس، ومنهم من تقدّم إلى المغرب فنزلوا على المرتضى بمراكش فأحسن جوارهم. وصار قوم منهم إلى بني مرين وآخرون إلى بني عبد الواد حسبما يذكر في أخبارهم.

ومن المقيمين بالحضرة كان سلف ابن عبد العزيز هذا إلى أن نشأ هو في دولة الأمير أبي زكريا الأوسط صاحب الثغور الغربية، وتحت كنف من اصطناعه. واختلط بأبنائه وقدم في جملة ابنه السلطان أبي بكر إلى تونس مقدّما في بطانته ورئيسا على الحاشية المتسمين بالدخلة، وكان يعرف لذلك بالمزوار. وكان شهما وقورا متديّنا وله في الدولة حظ من الظهور، وهو الّذي تولى كبر السعاية في الحاجب بن القالون حتى ارتاب بمكانه. ووفد إلى أبي عمران سنة إحدى وعشرين وسبعمائة كما قدّمناه. وولّاه السلطان الحجابة مكانه فقام بها مستعينا بالكاتب أبي القاسم بن عبد العزيز لخلوّة هو من الأدوات. وإنما كان شجاعا ذا همة. ولم يزل على ذلك إلى أن هلك في شعبان سنة سبع وعشرين وسبعمائة وأراد السلطان على الحجابة محمد بن خلدون جدّنا الأقرب فأبى، ورغب في الإقالة فأجيب جنوحا لما كان بسبيله منذ سنين من الصاغية في السكون والفرار من الرتب. وأشار على السلطان بصاحب الثغر محمد بن أبي الحسين بن سيّد الناس لتقدمة سلفه مع سلف السلطان، وكثرة تابعه وخاشيته وقوّة شكيمته في الاضطلاع بما يدفع إليه. أخبرني بهذا الخبر أبي رحمه الله وصاحبنا محمد بن منصور بن مزني، قال لي: حضرت لاستدعاء جدّكم إلى معسكر السلطان بباجة يوم مهلك المزوار، وأدخله السلطان إلى رواقه، وغاب مليّا ثم خرج وقد استفاض بين البطانة والحاشية أنه دعي إلى الخطة فاستنكرها، وأقام السلطان يومئذ في خطة الحجابة الكاتب أبا القاسم بن عبد العزيز يقيم الرسم، واستقدم خالصته محمد ابن حاجب أبيه أبي الحسين ابن سيّد الناس، فقدم في محرّم فاتح ثمان

<<  <  ج: ص:  >  >>