كان يجنب العرب عن الطاعة، ويجمع الأعراب للإجلاب على الحضرة، وينصّب الأعياص يطمعهم فيما ليس لهم من نيل الخلافة. كان ذلك ديدنا متصلا أزمان تلك المدّة.
ولما سرّح أبو تاشفين العساكر سنة خمس وعشرين وسبعمائة إلى إبراهيم بن الشهيد وحمزة بن عمر وأوليائهم من أهل إفريقية، وعقد عليها لموسى بن علي من رجالاته، فنازل قسنطينة ثم أقلع عنها وعاود حصارها سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. وشنّ الغارة في نواحيها، واكتسح الأموال ورجع إلى وادي بجاية فاختطّ مدينة بتيكلات على مرحلة منها، وعلى قارعة الطريق الشارع من الغرب إلى الشرق بما كانت بجاية زائغة عنه إلى البحر، فاختطّوا تلك المدينة وشيّدوها وجمعوا الأيدي عليها، وقسّموها مسافات على جيوشهم فاستتمت لأربعين يوما سمّوها تيمرزدكت باسم حصنهم الأقدم بالجبل قبالة وجدة، حيث امتنع يغمراسن على السعيد ونازلة وهلك عليه كما ذكرناه في أخباره. وشحنوا هذه المدينة بالأقوات والعدد وعمّروها بالمقاتلة من الرجل والفرسان والقبائل، وأخذت بمخنق البلد.
وقلق السلطان بمكانها فأوعز إلى قوّاد عساكره وأصحاب عمالاته من مواليه وصنائعه أن يفرّوا بعساكرهم إلى صاحب الثغر محمد بن سيّد الناس ويزحفوا معه إلى هذا البلد المخروب، ويستميتوا دون تخريبه، فنهض ظافر الكبير من قسنطينة وعبد الله العاقل من هوّارة وظافر السنان من بونة، وتوافر ببجاية سنة سبع وعشرين وسبعمائة وبلغ موسى بن علي خبرهم فاستنفر من عساكر بني عبد الواد، وخرجت العساكر جميعا من بجاية تحت لواء ابن سيّد الناس. وزحف إلى العدوّ بمحلّهم من تيكلات فكانت الدبرة عليه وعلى أصحابه، وقتل ظافر الكبير ورجع فلّهم إلى بجاية. وداخلت ابن سيّد الناس فيهم الظنّة كما تداخل موسى بن علي ابن زبون كل واحد منهما بصاحبه على سلطانه [١] . فمنعهم من دخول البلد ليلتئذ وأسحروا قافلين إلى أعمالهم، وعقد السلطان على قسنطينة لأبي القاسم بن عبد العزيز أياما. ثم استقدمه إلى الحضرة ليستعين به محمد بن عبد العزيز المزوار في خطة حجابته بما كان غفلا من الأدوات التي تحتاج إليها الحجابة. وعقد على حجابة الأمير أبي عبد الله بقسنطينة لمولاه ظافر السنان إلى أن كان من تحويل شأنه ما نذكره أهـ.
[١] وفي نسخة أخرى: بما كان يداخل موسى بن عيسى في الزبون كل واحد منهما لصاحبه على سلطانه.