ثم توفي عبد الرحمن الأوسط بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين لإحدى وثلاثين سنة من إمارته، وكان عالما بعلوم الشريعة والفلسفة، وكانت أيامه أيام هدوّ وسكون. وكثرت الأموال عنده واتخذ القصور والمنتزهات وجلب إليها الماء، وجعل له مصنعا اتخذه الناس شريعة. وزاد في جامع قرطبة رواقين، ومات قبل أن يستتمه، فأتمه ابنه محمد بعده. وبني بالأندلس جوامع كثيرة ورتّب رسوم المملكة، واحتجب عن العامّة. ولما مات ولي مكانه ابنه محمد، فبعث لأوّل ولايته العساكر مع أخيه الحكم إلى قلعة رباح لإصلاح أسوارها، وكان أهل طليطلة خرّبوها فرمّها وأصلح حالها، وتقدّم إلى طليطلة فعاث في نواحيها. ثم بعث الجيوش مع موسى بن موسى صاحب تطيلة فعاث في نواحي ألبة والقلاع، وفتح بعض حصونها ورجع، وبعث عساكر أخرى إلى نواحي برشلونة وما وراءها فعاثوا فيها، وفتحوا حصون برشلونة ورجعوا. ثم سار محمد سنة أربعين في جيوشه إلى طليطلة فاستمدّوا ملك جليقة وملك البشكنس فساروا لإنجادهم مع أهل طليطلة فلقيهم الأمير محمد على وادي سليط وقد أكمن لهم فأوقع بهم، وبلغ عدّة القتلى من أهل طليطلة والمشركين عشرين ألفا. ثم سار إليهم سنة ثلاث وأربعين فأوقع بهم ثانية وأثخن فيهم وخرّب ضياعهم، فصالحوه ثم نكثوا.
وفي سنة خمس وأربعين ظهرت مراكب المجوس، ونزلوا بأشبيليّة والجزيرة وأحرقوا مسجدها. ثم عادوا إلى تدمير ودخلوا قصر أريولة، وساروا إلى سواحل الفرنجة وعاثوا فيها، وانصرفوا فلقيهم مراكب الأمير محمد فقاتلوهم وغنموا منهم مركبين، واستشهد جماعة من المسلمين. ومضت مراكب المشركين إلى ينبلونة، وأسروا صاحبها غرسية وفدّى نفسه منهم بسبعين ألف دينار. وفي سنة سبع وأربعين حاصر طليطلة ثلاثين يوما. ثم بعث الأمير محمد سنة إحدى وخمسين أخاه المنذر في العساكر إلى نواحي ألبة والقلاع فعاثوا فيها، وجمع لزريق للقائهم فلقيهم وانهزم، وأثخن المسلمون في المشركين بالقتل والأسر، وكان فتحا لا كفاء له. ثم غزا الأمير محمد بنفسه سنة إحدى وخمسين بلاد الجلالقة فأثخن وخرّب، وانتقض عليه عبد الرحمن بن مروان الجليقي فيمن معه من المولّدين، وساروا إلى التخم، ووصل يده باذفونش ملك