فكانت بينهم وبين أهلها الحرب ثلاثة عشر يوما. ثم تقدّموا إلى قادس، ثم إلى أشدونة، وكانت بينهم وبين المسلمين بها وقعة. ثم قصدوا إشبيليّة ونزلوا قريبا منها وقاتلوا أهلها منتصف المحرّم من سنة ثمان وعشرين فهزمهم المسلمون وغنموا. ثم مضوا إلى باجة ثم إلى مدينة أشبونة. ثم أقلعوا من هنالك وانقطع خبرهم وسكنت البلاد وذلك سنة ثلاثين. وتقدّم عبد الرحمن الأوسط بإصلاح ما خرّبوه من البلاد، وأكثف الحامية بها وذكر بعض المؤرخين حادثة المجوس هذه سنة ست وأربعين ومائتين ولعلّها غيرها والله أعلم. وفي سنة إحدى وثلاثين بعث عبد الرحمن العساكر إلى جليقة فدوّخوها وحاصروا مدينة ليون ورموا سوارها فلم يقدروا عليه، لأنّ عرضه سبعة عشر ذراعا فثلموا فيه ثلمة ورجعوا. ثم أغزى عبد الرحمن حاجبه عبد الكريم بن مغيث في العساكر إلى بلاد برشلونة فجاز في نواحيها، وأجاز الدروب التي تسمّى السرب إلى بلاد الفرنجة فدوّخها قتلا وأسرا وسبيا، وحاصر مدينتهم العظمى وعاث في نواحيها وقفل، وقد كان ملك القسطنطينية توفلس بن نوفلس بن نوفيل، بعث إلى الأمير عبد الرحمن سنة خمس وعشرين بهدية ويطلب مواصلته فكافأه عبد الرحمن عن هديته، وبعث إليه يحيى العزال من كبار الدولة، وكان مشهورا في الشعر والحكمة، فأحكم بينهما المواصلة وارتفع لعبد الرحمن ذكر عند منازعيه من بني العبّاس. وفي سنة ست وثلاثين هلك نصر الحفي القائم بدولة الأمير عبد الرحمن وكان يضغن على مولاه ويمالئ ابنه عبد الرحمن على ابنه الآخر وليّ عهده بما كانت أم عبد الله قد اصطنعته، وكانت حظية عند السلطان ومنحرفة عن ابنه محمد وليّ العهد، فداخلت نصرا هذا في أمرها، وداخل هو طبيب الدار في أن يسمّ محمدا وليّ العهد. ودسّ الطبيب بذلك إلى الأمير مع قهرمانة داره وأن نصرا أكرهه على إذابة السمّ فيه، وباكر نصر القصر ودخل على السلطان يستفهمه عن شرب الدواء فوجده بين يديه، وقال له إنّ نفسي قد بشعته فاشربه أنت فوجم، فأقسم عليه فلم يسعه خلافه فشربه وركب مسرعا إلى داره فهلك لحينه، وحسم السلطان علّة ابنه عبد الله وكان من بعدها مهلكه.