يجالس شمس الدولة توران شاه فنقل لأخيه صلاح الدين أنه امتدحه بقصيدة يغريه فيها بالمضيّ إلى اليمن، ويحمله على الاستبداد وأنه تعرّض فيها للجانب النبوي، يوجب استباحة دمه وهو قوله:
فاخلق لنفسك ملكا لا تضاف به ... إلى سواك وأور النار في العلم
هذا ابن تومرت قد كانت ولايته ... كما يقول الورى لحما على وضم
وكان أوّل هذا الدين من رجل ... سعى إلى أن دعوه سيّد الأمم
فجمعهم صلاح الدين وشنقهم في يوم واحد بين القصرين، وأخّر ابن كامل عنهم عشرين يوما ثم شنقه. ومرّ عمارة بباب القاضي الفاضل، فطلب لقاءه فمنع فقال وهو سائر إلى المشنقة:
عبد الرحيم قد احتجب ... إنّ الخلاص هو العجب
وفي كتاب ابن الأثير أنّ صلاح الدين إنما اطّلع على أمرهم من كتابهم الّذي كتبوه إلى الفرنجة، عثر على حامله وقرئ الكتاب، وجيء به إلى صلاح الدين فقتل مؤتمن الخلافة لقرينة، وعزل جميع الخدّام واستعمل على القصر بهاء الدين قراقوش، وكان خصيّا أبيض، وغضب السودان لقتل مؤتمن الخلافة واجتمعوا في خمسين ألفا وقاتلوا أجناد صلاح الدين بين القصرين، وخالفهم إلى بيوتهم فأضرمها نارا، وأحرق أموالهم وأولادهم فانهزموا، وركبهم السيف. ثم استأمنوا ونزلوا الجيزة وعبر إليهم شمس الدولة توران شاه فاستلحمهم.
[(قطع الخطبة للعاضد وانقراض الدولة العلوية بمصر)]
كان نور الدين العادل يوم استقل صلاح الدين بملك مصر وضعف أمر العاضد بها، وتحكم في قصره يخاطبه في قطع دعوتهم من مصر والخطبة بها للمستضيء العبّاسيّ، وهو يماطل بذلك حذرا من استيلاء نور الدين عليه، ويعتذر بتوقع المخالفة من أهل مصر في ذلك فلا يقبل. ثم ألزمه ذلك فاستأذن فيه أصحابه فأشاروا به، وأنه لا يمكن مخالفة نور الدين. ووفد عليه من علماء العجم الفقيه الخبشاني، وكان يدعى بالأمير العالم، فلما رأى إحجامهم عن هذه الخطبة قال: أنا أخطبها! فلما كان أوّل جمعة من المحرّم سنة سبع وستين وخمسمائة صعد المنبر قبل