حصين، فنهض إليهم وخاطبني وأنا مقيم ببسكرة في دعايته بأن احتشد أولياءه من الزواودة ورياح، والتقى الوزير والعساكر على حصن تيطري، فنازلناه أشهرا. ثم انفضّ جمعهم وفرّوا من حصنهم، وتمزّقوا كل ممزق، وذهب أبو زيّان على وجهه، فلحق ببلد واركلا قبلة الزاب لبعدها عن منال الجيوش والعساكر، فأجاروه وأكرموا نزله. وضرب الوزير على قبائل حصين والثعالبة المغارم الثقيلة، فأعطوها عن يد وجهضهم باقتضائها، ودوّخ قاصية الثغور ورجع إلى تلمسان عالي الكعب عزيز السلطان ظاهر اليد. وقعد له السلطان بمجلسه يوم وصوله قعودا فخما، وصل فيه إليه، وأوصل من صحبه من وفود العرب والقبائل فقسّم فيهم برّه وعنايته وقبوله على شاكلته. واقتضى من أمراء العرب زغبة أبناءهم الأعزة رهنا على الطاعة، وسرّحهم لغزو أبي حمّو بمنتبذه من تيكورارين فانطلقوا لذلك، وهلك السلطان عبد العزيز لليال قلائل من مقدم وزيره، وعساكره أواخر شهر ربيع الآخر من سنة أربع وسبعين وسبعمائة لمرض مزمن كان يتفادى بالكتمان والصبر من ظهوره. وانكفأ بنو مرين راجعين إلى ممالكهم بالمغرب بعد أن بايعوا لولده دراجا حماسيا، ولقّبوه بالسعيد وجعلوا أمره إلى الوزير أبي بكر بن غازي، فملك أمرهم عليهم واستمرّت حاله كما نذكره في أخباره إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن عود السلطان أبي حمو الأخير الى تلمسان الكرّة الثالثة لبني عبد الواد في الملك)
لما هلك السلطان عبد العزيز ورجع بنو مرين إلى المغرب، نصبوا من أعياص بني يغمراسن لمدافعة أبي حمو من بعدهم عن تلمسان، إبراهيم بن السلطان أبي تاشفين، كان ناشئا بدولتهم مذ هلك [١] أبوه. وتسلّل من جملتهم عطيّة بن موسى مولى السلطان أبي حمو وخالفهم إلى البلد غداة رحيلهم، فقام بدعوة مولاه ودافع إبراهيم بن تاشفين عن مرامه، وبلغ الخبر أولياء السلطان أبي حمو من عرب المعقل أولاد يغمور بن عبيد الله، فطيّروا إليه النحيب على حين غلب عليه اليأس. وأجمع الرحلة إلى بلاد السودان لما بلغه من اجتماع العرب للحركة عليه كما قلناه، فأغذّ السير