[(الخبر عن مهلك السلطان محمد بن أبي عبد الرحمن وبيعة عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن)]
كان شأن هذا الوزير عمر في الاستبداد على سلطانه هذا عجبا حتى بلغ مبلغ الحجر من الصبيان. وكان جعل عليه العيون والرقباء حتى من حرمه وأهل قصره. وكان السلطان كثيرا ما يتنفّس الصعداء مع ندمائه ومن يختصّه بذلك من حرمه إلى أن حدّث نفسه باغتيال الوزير، وأمر بذلك طائفة من العبيد كانوا يختصّون به، فنمى القول، وأرسل به إلى الوزير بعض الحرم كانت عينا له عليه، فخشي على نفسه، وكان من الاستبداد والدولة أن الحجاب مرفوع له عن خلوات السلطان وحرمه، ومكاشفة رتبه، فخلص إليه في حشمه وهو معاقر لندمائه، فطردهم عنه وتناوله غطا حتى فاض وألقوه في بئر في روض الغزلان. واستدعى الخاصّة فأراهم مكانه وأنه سقط عن دابته وهو ثمل في تلك البئر، وذلك في المحرم فاتح ثمان وستين وسبعمائة لست سنين من خلافته. واستدعى من حينئذ عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن وكان في بعض الدور من القصبة بفاس تحت الرقباء والحراسة من الوزير لما كان السلطان محمد يروم الفتك به غيرة منه على الملك، لمكان ترشيحه، فحضر بالقصر وجلس على سرير الملك. وفتحت الأبواب لبني مرين والخاصّة والعامّة فازدحموا على تقبيل يده معطين الصفقة بطاعته. وكمل أمره وبادر الوزير من حينه إلى تجهيز العساكر إلى مراكش ونادى بالعطاء وفتح الديوان وكمل الأعراض وارتحل بسلطانه من فاس في شهر شعبان، وأغذّ السير إلى مراكش ونازل عامر بن محمد بمعقله من جبل هنتاتة ومعه الأمير أبو الفضل ابن السلطان أبي سالم وعبد المؤمن ابن السلطان أبي عليّ، أطلقه من الاعتقال أيضا وأجلسه موازي ابن عمه، واتخذ له الآلة يموّه به في شأنه الأوّل، ثم سعى بينه وبين عمر في الصلح، فانعقد بينهما وانكفأ راجعا بسلطانه إلى فاس في شهر شوّال، فكان حتفه إثر ذلك، كما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.