بالعمران الحضريّ لما أنّ أهل البدو يستغنون عنها وإنّما يشتملون الأثواب اشتمالا. وإنّما تفصيل الثّياب وتقديرها وإلحامها بالخياطة للباس من مذاهب الحضارة وفنونها. وتفهّم هذه في سرّ تحريم المخيط في الحجّ لما أنّ مشروعيّة الحجّ مشتملة على نبذ العلائق الدّنيويّة كلّها والرّجوع إلى الله تعالى «كما خلقنا أوّل مرّة، حتّى لا يعلّق العبد قلبه بشيء من عوائد ترفه، لا طيبا ولا نساء ولا مخيطا ولا خفّا، ولا يتعرّض لصيد ولا لشيء من عوائده الّتي تلوّنت [١] بها نفسه وخلقه، مع أنّه يفقدها بالموت ضرورة. وإنّما يجيء كأنّه وارد إلى المحشر ضارعا بقلبه مخلصا لربّه. وكان جزاؤه إن تمّ له إخلاصه في ذلك أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه. سبحانك ما أرفقك بعبادك وأرحمك بهم في طلب هدايتهم إليك. وهاتان الصّنعتان قديمتان في الخليقة لما أنّ الدّفء ضروريّ للبشر في العمران المعتدل. وأمّا المنحرف إلى الحرّ فلا يحتاج أهله إلى دفء.
ولهذا يبلغنا عن أهل الإقليم الأوّل من السّودان أنّهم عراة في الغالب. ولقدم هذه الصّنائع ينسبها العامّة إلى إدريس عليه السّلام وهو أقدم الأنبياء. وربّما ينسبونها إلى هرمس وقد يقال إنّ هرمس هو إدريس. والله سبحانه وتعالى هو الخلّاق العليم.
[الفصل الثامن والعشرون في صناعة التوليد]
وهي صناعة يعرف بها العمل في استخراج المولود الآدميّ من بطن أمّه من الرّفق في إخراجه من رحمها وتهيئة أسباب ذلك. ثمّ ما يصلحه بعد الخروج على ما نذكر. وهي مختصّة بالنّساء في غالب الأمر لما أنّهنّ الظّاهرات بعضهنّ على عورات بعض. وتسمّى القائمة على ذلك منهنّ القابلة. استعير فيها معنى الإعطاء