قد تقدّم لنا أنه لم يكن بقي في تصريف الخليفة إلّا أعمال الأهواز والبصرة وواسط والجزيرة والموصل لبني حمدان. واستولى معزّ الدولة على الأهواز ثم على واسط، وبقيت البصرة بيد أبي عبد الله بن البريدي واستولى على بغداد مع المتّقى يحكم، ثم ابن البريدي، ثم تورتكين الديلميّ، ثم ابن رائق ثانية، ثم ابن البريدي ثانية، ثم حمدان، ثم تورون. يختلفون على المتّقى واحدا بعد واحد، وهو مغلب لهم والحلّ والعقد والإبرام والنقض بأيديهم، ووزير الخليفة عامل من عمّالهم متصرّف تحت أحكامهم، وآخر من دبّر الأمور أبو عبد الله الكوفي كاتب تورون، وكان قبله كاتب ابن رائق، وكان على الحجبة بدر بن الجرسيّ، فعزل عنها سنة ثلاثين وجعل مكانه سلامة الطولوني وولي بدر طريق الفرات ففزع إلى الإخشيد واستأمن إليه فولّاه دمشق. وكان من المستبدّين في النواحي يوسف بن وجيه، وكان صاحب الشرطة ببغداد أبا العبّاس الديلميّ.
خلع المتّقي وولاية المستكفي
لم يزل المتّقي عند بني حمدان من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين إلى آخر السنة، ثم آنس منهم الضجر واضطرّ لمراجعة تورون، فأرسل إليه الحسن بن هارون وأبا عبد الله بن أبي موسى الهاشميّ في الصلح، وكتب إلى الإخشيد محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه، فجاءه وانتهى إلى حلب وبها أبو عبد الله بن سعيد بن حمدان من قبل ابن عمّه ناصر الدولة، فارتحل عنها وتخلّف عنه ابن مقاتل، وقد كان صادره ناصر الدولة على خمسين ألف دينار، فاستقدم الإخشيد وولّاه خراج مصر. وسار الإخشيد من حلب ولقي المتّقي بالرقّة، وأهدى إليه والي الوزير بن الحسين بن مقلة وسائر الحاشية، واجتهد به أن يسير معه إلى مصر ليقيم خلافته هنالك فأبى، فخوّفه من تورون فلم يقبل. وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر فيحكّمه في البلاد فأبى، وكانوا ينتظرون عود رسلهم من تورون، فبعثوا إليهم بيمين تورون والوزير ابن شيرزاد بمحضر القضاة والعدول والعبّاسيّين والعلويّين وغيرهم من طبقات الناس. وجاء الكتاب بخطوطهم بذلك وتأكيد اليمين، ففارق المتّقي