للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمراء المعتقلين، وكبيرهم الأتابك ذبحا، وقتل تنم من بينهم خنقا، ثم ارتحل راجعا إلى مصر.

وكنت استأذنت في التقدّم إلى مصر بين يدي السلطان لزيارة بيت المقدس، فأذن لي في ذلك. ووصلت إلى القدس ودخلت المسجد، وتبرّكت بزيارته والصّلاة فيه، وتعفّفت عن الدخول إلى القمامة [١] لما فيها من الإشادة بتكذيب القرآن، إذ هو بناء أمم النصرانية على مكان الصّليب بزعمهم، فنكرته نفسي، ونكرت الدّخول إليه.

وقضيت من سنن الزيارة ونافلتها ما يجب، وانصرفت إلى مدفن الخليل عليه السلام. ومررت في طريقي إليه ببيت لحم، وهو بناء عظيم على موضع ميلاد المسيح، شيّدت القياصرة عليه بناء بسماطين من العمد الصّخور، منجدة مصطفّة، مرقوما على رءوسها صور ملوك القياصرة، وتواريخ دولهم، ميسّرة لمن يبتغي تحقيق نقلها بالتّراجمة العارفين لأوضاعها، ولقد يشهد هذا المصنع بعظم ملك القياصرة وضخامة دولتهم. ثم ارتحلت من مدفن الخليل إلى غزّة، وارتحلت منها، فوافيت السلطان بظاهر مصر، ودخلت في ركابه أواخر شهر رمضان سنة اثنين وثمانمائة. وكان بمصر فقيه من المالكيّة يعرف بنور الدّين بن الخلال [٢] ، ينوب أكثر أوقاته عن قضاة القضاة المالكيّة، فحرّضه بعض أصحابه على السّعي في المنصب، وبذل ما تيسّر من موجودة لبعض بطانة السلطان الساعين له في ذلك، فتمّت سعايته في ذلك، ولبس منتصف المحرّم سنة ثلاث وثمانمائة، ورجعت أنا للاشتغال بما كنت مشتغلا به من تدريس العلم وتأليفه، إلى أن كان السّفر لمدافعة تمر عن الشام.

(سفر السلطان الى الشام لمدافعة الططر عن بلاده)

هؤلاء الططر من شعوب الترك، وقد اتفق النسّابة والمؤرخون على أن أكثر أمم العالم فرقتان، وهما: العرب والترك، وليس في العالم أمة أوفر منهما عددا، هؤلاء في


[١] القمامة (بالضم) : كنيسة كبرى ببيت المقدس. تاج العروس (قمم) (معجم البلدان) .
[٢] علي بن يوسف بن عبد الله (أو ابن مكي) الدميري (أو الزبيري) ، المعروف بابن الخلال المالكي.

<<  <  ج: ص:  >  >>