بعرانينها [١] والكواكب بآفاقها، ونهض الأمير أبو عبد الله محمد فيمن اجتمع إليه من البطانة والأولياء، إلى محاصرة بلد بجاية، فأحجر عمّه بالبلد، وأخذ بمخنقها أياما، ثم أفرج عنها، ثم رجع إلى مكانه من حصارها. ودسّ إليه بعض أشياعه بالبلد، وسرّب إليه المال في الغوغاء، فواعدوه فتح أبواب الربض في إحدى ليالي رمضان سنة تسع وأربعين وسبعمائة واقتحم البلد وملاء الفضاء بهدير طبوله، فهبّ الناس من مراقدهم فزعين وقد ولج الأمير وقومه البلد. ونجا الأمير الفضل إلى شعاب الجبل وكواريه المطلّ على القصبة راجلا حافيا، فاختفى به إلى أن عثر عليه ضحى النهار، وسيق إلى ابن أخيه، فحنّ عليه وأركبه السفين إلى محل إمارته من بونة.
وخلص ملك بجاية للأمير أبي عبد الله هذا واقتعد سرير آبائه بها، وكتبوا للأمير أبي عنان بالفتح، وتجديد المخالصة والموالاة، والعمل عن مدافعة أبيه من جهاته، والله تعالى أعلم.
الخبر عن نهوض الناصر ابن السلطان ووليه عريف بن يحيى من تونس الى المغرب الأوسط
لما بلغ السلطان خبر ما وقع بالمغرب من انتقاض أطرافه، وتغلّب الأعياص من قومه وسواهم على أعماله، ووصل إليه يعقوب بن علي أمير الزواودة بولده وعماله ووفده، نظر في تلافي أمره بتسريح ولده الناصر إلى المغرب الأوسط لارتجاع ملكه، ومحو آثار الخوارج من أعمالهم. فنهض مع يعقوب بن علي وأصحبه وليه عريف بن يحيى أمير زغبة ليستظهر به على ملك المغرب، وقدّمهما طليعة بين يديه، وسار الناصر إلى بسكرة، واضطرب معسكره بها، ثم فصل من بلاد رياح إلى بلاد زغبة، واجتمع إليه أولياؤهم من العرب ومن زناتة من بني توجين أهل وانشريش وغيرهم. وزحف إليهم الزعيم أبو ثابت من تلمسان في قومه من بني عبد الواد وغيرهم للمدافعة. والتقى الجمعان بوادي ورك فانفضّت جموع الناصر وانذعروا، ورجع على عقبه إلى بسكرة وخلص عريف بن يحيى إلى قومه سويد، ثم قطع القفر إلى المغرب الأقصى. ولحق
[١] العرانين جمع عرنين وهو السيد الشريف والصحيح ان يقول عرائنها: جمع عرين وهو مأوى الأسد (قاموس) .