ودعا لبدر مولى المعتضد، وقطع طرسوس والثغور من عمالة بني طولون. ثم بعث هارون بن خمارويه إلى المعتضد أن يقاطعه على أعماله بمصر والشام بأربعمائة ألف وخمسين ألف دينار، ويسلّم قنسرين والعواصم، وهي الثغور للمعتضد فأجابه إلى ذلك.
وسار من آمد وكان قد ملكها من يد محمد بن أحمد بن الشيخ، فاستخلف ابنه المكتفي عليها، وسار سنة ست وثمانين ومائتين فتسلّم قنّسرين والثغور من يد أصحاب هارون وجعلها مع الجزيرة في ولاية ابنه المكتفي.
[(ولاية طغج بن جف على دمشق)]
ولما ولي هارون بعد أخيه جيش على ما ولي عليه من اختلاف القوّاد وقوّة أيديهم، خشي أهل الدولة من افتراق الكلمة ففوّضوا أمرها إلى أبي جعفر بن إيام. كان مقدّما عند أحمد وخمارويه فأصلح ما استطاع، وبقي يرتّق الفتق ويجبر الصدع. ثم نظر إلى الجند الذين كانوا خالفوا بدمشق مع طغج بن جف فبعث إليهم بدرا الحمامي والحسين بن أحمد المارداني فأصلحا مورد الشام وأفرد الطغج بن جف بولاية دمشق، واستعملا في سائر الأعمال، ورجعا إلى مصر والأمور مضطربة والقوّاد طوائف لا ينقاد منهم أحد إلى أحد إلى أن وقع ما نذكر.
(زحف القرامطة الى دمشق)
قد تقدّم لنا ابتداء أمر القرامطة وما كان منهم بالعراق والشام، وأنّ ذكرويه بن مهداويه داعية القرامطة لما هزم بسواد الكوفة وأفنى أصحابه القتل، لحق ببني القليص بن كلب بن وبرة في السماوة فبايعوه، ولقبوه الشيخ وسمّوه يحيى. وكنّوه أبا القاسم. وزعم أنه محمد بن عبد الله بن المكتوم بن إسماعيل الإمام فلقّبوه المدّثر.
وزعم أنه المشار إليه في القرآن. ولقّب غلاما من أهله المطوّق. وسار من حمص إلى حماة ومعرّة النعمان إلى بعلبكّ، ثم إلى سلميّة فقتل جميع من فيها حتى النساء والصبيان والبهائم. ونهب سائر القرى من كل النواحي. وعجز طغج بن جف وسائر ابن خلدون م ٢٦ ج ٤