[الخبر عن انتزاء عثمان بن جرار على ملك تلمسان بعد نكبة السلطان أبي الحسن بالقيروان وعود الملك بذلك لبني زيان]
كان بنو جرار هؤلاء من فضائل نيدوكسن [١] بن طاع الله وهم بنو جرار بن يعلى بن نيدوكسن، وكان بنو محمد بن زكراز يفضون إليهم من أوّل الأمر، حتى صار الملك إليهم واستبدوا به، فجرّوا على جميع الفصائل من عشائرهم ذيل الاحتقار. ونشأ عثمان بن يحيى بن محمد بن جرّار هذا من بينهم مرموقا بعين التجلّة والرئاسة، وسعى عند السلطان أبي تاشفين بأن في نفسه تطاولا للرئاسة فاعتقله مدّة. وفرّ من محبسه فلحق بملك المغرب السلطان سعيد فآثر محله وأكرم منزله، واستقرّ بمثواه فنسك وزهد. واستأذن السلطان عند تغلّبه على تلمسان في الحج بالناس فأذن له. وكان قائد الركب من المغرب إلى مكة سائر أيامه حتى استولى السلطان أبو الحسن على أعمال الموحّدين، وحشد أهل المغرب من زناتة والمغرب لدخول إفريقية اندرج عثمان هذا في جملته، واستأذنه قبيل القيروان في الرجوع إلى المغرب فأذن له ولحق بتلمسان فنزل على أميرها من ولد الأمير أبي عنّان، كان قد عقد له على عملها، ورشّحه لولاية العهد بولايتها، فازدلف إليه بما بثّه من الخبر عن أحوال أبيه، وتلطّف فيما أودع سمعه من تورّط أبيه في مهالك إفريقية، وإياسه من خلاصه، ووعده بمصير الأمر إليه على ألسنة الخبراء والكهّان. وكان يظنّ فيه أنّ لديه من ذلك علما، وعلى تفيئة ذلك كانت نكبة السلطان أبي الحسن بالقيروان. وظهر مصداق ظنّه وإصابة قياسه فأغراه بالتوثّب على ملك أبيه بتلمسان، والبدار إلى فاس لغلب منصور ابن أخيه أبي مالك عليها، كان استعمله جدّه أبو الحسن هنالك وأراه آية سلطانه وشواهد ملكه، وتحيّل عليه في إشاعة مهلك السلطان أبي الحسن وإلقائه على الألسنة حتى أوهم صدقه. وتصدّى الأمير أبو عنان للأمر، وتسايل إليه الفلّ من عساكر بني مرين، فاستلحق وبث العطاء وأعلن بابا لدعاء نفسه في ربيع سنة تسع وأربعين وسبعمائة وعسكر خارج تلمسان للنهوض إلى المغرب كما نذكره في أخبارهم ولما فصل دعا عثمان لنفسه وانتزى على كرسيه واتخذ الآلة وأعاد من ملك بني عبد الواد رسما لم
[١] كذا في النسخة الباريسية نيدوكسن وفي نسخة أخرى: تيدوكسن.