للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ولما ملك أبو تاشفين) استعمله بشلف مستبدّا بها وأذن له في اتخاذ الآلة. ثم لما عزل موسى بن علي عن حرب الموحدين وقاصية الشرق عزله به، وكانت المرية وتنس من عمله. فلما نازل السلطان أبو الحسن تلمسان راسله بالطاعة والكون معه، فتقبّله وجاء به [١] من مكان عمله، فقدم عليه بمخيّمه على تلمسان، فاختصه بإقباله ورفع مجلسه من بساط، ولم يزل عنده بتلك الحال إلى أن هلك بعد افتتاح تلمسان والله مصرّف الأقدار.

(وأمّا هلال) فأصله من سبي النصارى القطلونيّين أهداه السلطان ابن الأحمر الى عثمان بن يغمراسن، وصار إلى السلطان أبي حمو فأعطاه إلى ولده أبي تاشفين فيما أعطاه من الموالي المعلوجين، ونشأ عنده وتربّى، وكان مختصّا عنده بالراحلة والدالة، وتولى كبر تلك الفعلة التي فعلوا بالسلطان أبي حمو. ولمّا ولي بعده ابنه أبو تاشفين ولّاه على حجابته، وكان مهيبا فظّا غليظا، فقعد مقعد الفصل ببابه وأرف للناس سطوه [٢] ، وزحزح المرشّحين عن رتب المماثلة إلى التعلّق بأهدابه، فاستولى على الأمر واستبدّ على السلطان. ثم حذر مغبة الملك وسوء العواقب، فاستأذن السلطان في الحج وركب إليه من هنين بعض السفن اشتراها بماله وشحنها بالعديد والعدّة والأقوات والمقاتلة، وأقام كاتبه الحاج محمد بن حواتة [٣] بباب السلطان على رسم النيابة عنه، وأقلع سنة أربع وعشرين وسبعمائة فنزل بالإسكندرية وصحب الحاج من مصرفي جملة الأمير عليهم، ولقي في طريقه سلطان السودان من آل منسي موسى، واستحكمت بينهما المودّة. ثم رجع بعد قضاء فرضه إلى تلمسان. فلم يجد مكانه من السلطان ولم يزل من بعد ذلك يتنكر له وهو يسايسه بالمداراة والاستجداء إلى أن سخطه، فتقبّض عليه سنة تسع وعشرين وسبعمائة وأودعه سجنه، فلم يزل معتقلا إلى أن هلك من وجع أصابه قبيل فتح تلمسان، ومهلك السلطان بأيام، فكانت آية عجبا في تقارب مهلكهما واقتران سعادتهما ونحوسهما. وقد كان السلطان أبو الحسن يتبع الموالي الذين شهدوا مقتل السلطان أبي حمو، وأفلت هلال هذا من عقابه بموته. والله بالغ حكمه.


[١] وفي نسخة ثانية: وجأجأ.
[٢] وفي نسخة ثانية: وأرهب الناس سطوته.
[٣] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: حونته.

<<  <  ج: ص:  >  >>