وإشبيليّة وغرب الأندلس وطالت فتنته مع ابن هود وراجع طاعته. ثم انتقض عليه وبايع للرشيد سنة ست وثلاثين وستمائة عند ما بايعه أهل إشبيليّة وسبته، فلم يزل على ذلك إلى أن هلك الرشيد على حين استفحال ملك الأمير أبي زكريا بإفريقية وتأميله للنصرة والكرة، فحول ابن الأحمر إليه الدعوة، وأوفد بها أبا بكر بن عيّاش من مشيخة مالقة فرجعهم الأمير أبو زكريا بالأموال للنفقات الجهادية. ولم يزل يواصلها لهم من بعد ذلك إلى أن هلك سنة سبع وأربعين وستمائة، فأطلق ابن الأحمر نفسه من عقال الطاعة واستبدّ بسلطانه.
[(الخبر عن بيعة سجلماسة وانتقاضها)]
كان عبد الله بن زكريا الهزرجي من مشيخة الموحّدين واليا بسجلماسة لبني عبد المؤمن.
ولما هلك الرشيد وبويع أخوه السعيد سنة أربعين وستمائة، ونميت إليه عن الهزرجي عظيمة من القول خشن بها صدره وبعث إليه مستعتبا فلم يعتبه. ومزّق كتابه فخشيه الهزرجي على نفسه، واتصل به ما كان من استيلاء الأمير أبي زكريا على تلمسان ونواحيها، فخاطبه بطاعته وأوفد عليه بيعته، فعقد له الأمير أبو زكريا على سجلماسة وأنحائها، وفوّض إليه في أمرها ووعده بالمدد من المال والعسكر لحمايتها. وخطب له عبد الله بسجلماسة، وفرّ إليه من مراكش أبو زيد الكدميوي بن واكاك، وأبو سعيد العود الرطب، فلحق بتونس. وأقام أبو زيد معه بسجلماسة. وزحف إليه السعيد سنة إحدى وأربعين وستمائة، وقيل سنة أربعين، ومن معسكره كان مفرّ أولئك المشيخة.
وخاطب السعيد أهل سجلماسة وداخلهم أبو زيد الكدميوي فغدروا بالهزرجي وثاروا به، فخرج من سجلماسة وأسلمها، وقام بأمرها أبو زيد الكدميوي. وطيّر بالخبر إلى السعيد فشكر له فعلته، وغفر له سالفته. وتقبّض على عبد الله الهزرجي بعض الأعراب، وأمكن منه السعيد فقتله وبعث برأسه إلى سجلماسة فنصب بها، ورجع من طريقه إلى مراكش وأقامت سجلماسة على دعوة عبد المؤمن إلى أن كان من خبرها ما نذكره في موضعه