السيد أبا زيد هو الّذي دفع لحرب بني غانية فكان لها في رقع الخرق والمدافعة عن الدولة آثار. وكان ابن غانية قد اجتمع إليه ذؤبان العرب من الهلاليين بإفريقية، وخالفتهم زغبة إحدى بطونهم إلى الموحّدين، وتحيزوا إلى زناتة المغرب الأوسط، وكان مفزعهم جميعا ومرجع نقضهم وإبرامهم إلى العامل بتلمسان من السادة في مثواهم وحامي حقيقتهم. وكان ابن غانية كثيرا ما يجلب على ضواحي تلمسان وبلاد زناتة ويطرقها معه من ناعق الفتنة إلى أن خرّب كثيرا من أمصارها مثل تاهرت وغيرها، فأصبحت تلمسان قاعدة المغرب الأوسط، وأمّ هؤلاء الأحياء من زناتة والمغرب الكافية لهم المهيّئة في حجرها مهاد نومهم لما خرّبت المدينتان اللتان كانتا من قبل قواعد في الدول السالفة والعصور الماضية، وهما أرشكول بسيف البحر وتاهرت فيما بين الريف والصحراء من قبلة البطحاء وكان خراب هاتين المدينتين فيما خرّب من أمصار المغرب الأوسط فتنة ابن غانية وباجلاب هؤلاء الأحياء من زناتة وطلوعهم على أهلها بسوم الخسف والعيث والنهب، وتخطّف الناس من السابلة وتخريب العمران ومغالبتهم حاميتها من عساكر الموحدين، مثل: قصر عجيسة وزرفة والخضراء وشلف ومتيجة وحمزة ومرسى الدجاج والجعبات، ولم يزل عمران تلمسان يتزايد وخطّتها تتسع الصروح بها بالآجرّ والفهر [١] تعلى وتشاد إلى أن نزلها آل زيان واتخذوها دارا لملكهم، وكرسيّا لسلطانهم، فاختطوا بها القصور المؤنقة والمنازل الحافلة واغترسوا الرياض والبساتين وأجروا خلالها المياه، فأصبحت أعظم أمصار المغرب. ورحل إليها الناس من القاصية ونفقت بها أسواق العلوم والصنائع، فنشأ بها العلماء واشتهر فيها الأعلام. وضاهت أمصار الدول الإسلامية والقواعد الخلافية.
والله وارث الأرض ومن عليها
(الخبر عن استقلال يغمراسن بن زيان بالملك والدولة بتلمسان وما اليها وكيف مهّد الأمر لقومه وأصاره تراثا لبنيه)
كان يغمراسن بن زيّان بن ثابت بن محمد من أشدّ هذا الحيّ بأسا، وأعظمهم في
[١] الفهر: حجر رقيق تسحق به الادوية، وفي نسخة ثانية القرميد.