كتب تجاه الكعبة المعظمة في الجانب الغربي من الحرم الشريف، والحمد للَّه ربّ العالمين. ولما وصلت هذه البيعة استحضر لها السلطان الملأ والكافة، وقرئت بمجمعهم وقام خطيبهم القاضي أبو البراء في ذلك المحفل فاسحنفر في تعظيمها والإشادة بحسن موقعها، وإظهار رفعة السلطان ودولته بطاعة أهل البيت والحرم ودخولهم في دعوته. ثم جار بالدّعاء للسلطان وانفضّ الجمع فكان من الأيام المشهودة في الدولة.
[(الخبر عن الوفود من بني مرين والسودان وغيرهم)]
كان بنو مرين كما قدّمناه قد تمسّكوا بطاعة الأمير أبي زكريا ودخلوا في الدعوة الحفصيّة، وحملوا عليها من تحت أيديهم من الرعايا مثل: أهل مكناسة وتازى والقصر، وخاطبوا السلطان بالتمويل والخضوع. ولمّا هلك السلطان وولي ابنه المستنصر، وقارن ذلك ولاية المرتضى بمراكش. ثم كان بينهم وبين المرتضى من الفتنة والحرب ما ذكرناه ونذكره، فاتصل ذلك بينهم وبعث الأمير أبو يحيى بن عبد الحق بيعة أهل فاس، وأوفد بها مشيخة بني مرين على السلطان وذلك سنة اثنتين وخمسين وستمائة فكان لها موقع من السلطان والدولة. وقابلهم من الكرامة كل على قدره، وانصرفوا محبورين إلى مرسلهم. ولما هلك أبو يحيى بن عبد الحق، واستقل أخوه يعقوب بالأمر أوفد إليه ثانية رسله وهديّته، وطلب الإعانة من السلطان على المرتضى وأمر أهل مراكش على أن يقيموا بها الدعوة له عند فتحها. ولم يزل دأبهم إلى أن كان الفتح.
وفي سنة خمس وخمسين وستمائة وصلت هديّة ملك كانم من ملوك السودان، وهو صاحب برنو مواطنه قبلة طرابلس، وكان فيها الزرافة وهو الحيوان الغريب الخلق المنافر الحلي والشيات، فكان لها بتونس مشهد عظيم برز إليها الجفلى من أهل البلد حتى غصّ بها الفضاء، وطال إعجابهم بشكل هذا الحيوان وتباين نعوته، وأخذها من كل حيوان بشبه. وفي سنة ثمان وخمسين وستمائة وصل دون الرنك أخو ملك قشتالة مغاضبا لأخيه، ووفد على السلطان بتونس فتلقّاه من المبرّة والحباء بما يلقى به