للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليكفك من دنياك ثوب تلبسه وفرس تذبّ به عن عباده. وأرجو بك متى جعلت وصيّتي هذه نصب عينيك، لم تعدم من ربّك فتحا ييسّره على يديك، وتأييدا ملازما لا يبرح عنك إلّا إليك، بمنّ الله وحوله وطوله. والله يجعلك ممن سمع فوعى، ولبّى داعي الرشد إذ دعا، أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ٢٢: ٦ وبالإجابة جدير، ولا حول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

تمت الوصيّة المباركة، فعظم ترشيح الأمير أبي يحيى لذلك، وعلا في الدولة كعبه، وقوي عند الكافة تأميله، وهو بحالة من النظر في العلم والجنوح للدين، إلى أن هلك سنة ست وأربعين وستمائة، فأسى له السلطان، واحتفل الشعراء في رثائه وتأبينه، فكانوا يثيرون بذلك شجو السلطان، ويبعثون حزنه، وعقد العهد من بعده لأخيه الأمير أبي عبد الله محمد، بحضور الملأ، وإيداع الخاصّة كتابهم بذلك في السجل، إلى أن كان من خلافته ما نذكره بعده.

[(الخبر عن مهلك السلطان أبي زكريا وما كان عقبه من الاحداث)]

كان السلطان أبو زكريا قد خرج من تونس إلى جهة قسنطينة للاشراف على أحوالها، ووصل إلى باغاية فعرض العساكر بها، ووافته هنالك الدواودة، وشيخهم موسى بن محمّد. وكان منه اضطراب في الطاعة فاستقام. وأصاب السلطان هنالك المرض فرجع إلى قسنطينة. ثم أبلّ من مرضه، ووصل منها إلى بونة، فراجعه المرض. ولما نزل بظاهر بونة اشتدّ به مرضه. وهلك لسبع بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وستمائة لاثنتين وعشرين سنة من ولايته، ودفن بجامع بونة. ثم نقل شلوه بعد ذلك إلى قسنطينة سنة ست وستين وستمائة بين يدي حصار النصارى تونس. وبويع إثر مهلكه ابنه وليّ عهده أبو عبد الله محمد كما نذكره. وطار خبر مهلكه في الآفاق، فانتقض كثير من أهل القاصية، ونبذوا الدعوة الحفصيّة، وعطل ابن الأحمر منابره من الدعوة الحفصيّة. وتمسّك بها يغمراسن بن زيّان صاحب المغرب الأوسط، فلم

<<  <  ج: ص:  >  >>