أعظم الناس قدرا، وأكثرهم بذلا، وأحسنهم سيرة وأجملهم صبرا، فذاك غرور وبهتان وزور.
واعلم أنّ من تواضع للَّه رفعه الله. وعليك بتفقّد أحوال رعيّتك والبحث عن عمّالهم والسؤال عن سير قضاتهم فيهم، ولا تنمّ عن مصالحهم، ولا تسامح أحدا فيهم.
ومهما دعيت لكشف ملمّة فاكشفها عنهم، ولا تراع فيهم كبيرا ولا صغيرا إذا عدل عن الحق. ولا تراع في فاجر ولا متصرف إلّا ولا ذمّة، ولا تقتصر على شخص واحد في رفع مسائل الرعيّة والمتظلمين. ولا تقف عند مراده في أحوالهم.
واتخذ لنفسك ثقات صادقين مصدقين، لهم في جانب الله أوفر نصيب، وفي مسائل خلقه، إليك أسرع مجيب. وليكن سؤالك لهم افذاذ [١] ، فأنك متى اقتصرت على شخص واحد في نقله ونصحه، حمله الهوى على الميل، ودعته الحميّة إلى تجنّب الحق، وترك قول الصدق. وإذا رفع إليك أحد مظلمة، وأنت على طريق، فأدعه إليك وسله حتى يوضح قصته لك. وجاوبه جواب مشفق مصغ إلى قوله، مصيخ إلى نازلته ونقله، ففي إصاختك له وحنّوك عليه أكبر تأنيس، وللسياسة والرئاسة في نفوس الخاصّة والعامّة، والجمهور أعظم تأسيس.
وأعلم أن دماء المسلمين وأموالهم حرام على كل مؤمن باللَّه واليوم الآخر إلّا في حق أوجبه الكتاب والسنّة، وعضّدته أقاويل الشرعية والحجة، أو في مفسد عاثت في طرقات المسلمين وأموالهم جار على غيه في فساد صلاحهم وأحوالهم، فليس إلّا السيف فإن أثره عفاء ووقعه لداء الأدمغة الفاسدة دواء، ولا تقل عثرة حسود على النعم، عاجز عن السعي، فإن إقالته تحمله على القول، والقول يحمله على الفعل، ووبال عمله عائد عليك. فاحسم داءه قبل انتشاره، وتدارك أمره قبل إظهاره، واجعل الموت نصب عينيك، ولا تغتر بالدنيا وان كانت في يديك. لا تنقلب إلى ربك إلا بما قدمته من عمل صالح ومتجر في مرضاته رابح.
واعلم أن الإيثار أربح المكاسب وأنجح المطالب، والقناعة مال لا ينفد. وقد قال بعض المفسرين في قوله عزّ من قائل:«وَتَرَكْنا عَلَيْهِ في الْآخِرِينَ» ٣٧: ٧٨ إنه النبأ الحسن في الدنيا على ما خلّد فيها من الأعمال المشكورة، والفعلات الصالحة المذكورة.