طبقات النّاس إنّما كان حكمهم على الدّهماء وأهل الرّيب والضّرب على أيدي الرّعاع والفجرة. ثمّ عظمت نباهتها في دولة بني أميّة بالأندلس ونوّعت إلى شرطة كبرى وشرطة صغرى وجعل حكم الكبرى على الخاصّة والدّهماء وجعل له الحكم على أهل المراتب السّلطانيّة والضّرب على أيديهم في الظّلامات وعلى أيدي أقاربهم ومن إليهم من أهل الجاه وجعل صاحب الصّغرى مخصوصا بالعامّة ونصب لصاحب الكبرى كرسيّ بباب دار السّلطان ورجال يتبوّءون المقاعد بين يديه فلا يبرحون عنها إلّا في تصريفه وكانت ولايتها للأكابر من رجالات الدّولة حتّى كانت ترشيحا للوزارة والحجابة.
وأمّا في دولة الموحّدين بالمغرب فكان لها حظّ من التّنويه وإن لم يجعلوها عامّة وكان لا يليها إلّا رجالات الموحّدين وكبراؤهم ولم يكن له التّحكّم على أهل المراتب السّلطانيّة ثمّ فسد اليوم منصبها وخرجت عن رجال الموحّدين وصارت ولايتها لمن قام بها من المصطنعين. وأمّا في دولة بني مرين لهذا العهد بالمشرق فولايتها في بيوت مواليهم وأهل اصطناعهم وفي دولة التّرك بالمشرق في رجالات التّرك أو أعقاب أهل الدّولة قبلهم من التّرك يتخيّرونهم لها في النّظر بما يظهر منهم من الصّلابة والمضاء في الأحكام لقطع موادّ الفساد وحسم أبواب الدّعارة وتخريب مواطن الفسوق وتفريق مجامعه مع إقامة الحدود الشّرعيّة والسّياسيّة كما تقتضيه رعاية المصالح العامّة في المدينة والله مقلّب اللّيل والنّهار وهو العزيز الجبّار والله تعالى أعلم.
[قيادة الأساطيل:]
وهي من مراتب الدّولة وخططها في ملك المغرب وإفريقية ومرءوسة لصاحب السّيف وتحت حكمه في كثير من الأحوال ويسمّى صاحبها في عرفهم البلمند بتفخيم اللّام منقولا من لغة الإفرنجة فإنّه اسمها في اصطلاح لغتهم وإنّما اختصّت هذه المرتبة بملك إفريقية والمغرب لأنّهما جميعا على ضفّة البحر الرّوميّ من جهة الجنوب وعلى عدوته الجنوبيّة بلاد البربر كلّهم