للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه. وأوجب الخلفاء إزاء ذلك تجلّة أخرى، وأوفدوه على ملوك زناتة مرّة بعد مرّة في مذاهب الودّ وقصود الخير. وحضر في بعض الجهاد بجبل الفتح عند ما نازلته عساكر السلطان أبي الحسن، ولم يزل هذا دأبه إلى أن هلك في الطاعون الجارف في منتصف المائة الثامنة. والله تعالى أعلم.

[(الخبر عن مراسلة يوسف بن يعقوب سلطان بني مرين ومهاداته)]

كان السلطان أبو عصيدة لما استفحل أمره واستوسق ملكه حدّث نفسه بغزو الناحية الغربية وارتجاع ثغورها من يد الأمير أبي زكريا، وكان الأمير أبو زكريا قد انتقض عليه أهل الجزائر بعد مهلك عاملها عليها من الموحدين من بني الكمازير، انبرى بها بعده محمد بن علّان من مشيختها، واستفحل أمر عثمان بن يغمراسن وبني عبد الواد من ورائه، وتغلّبوا على توجين ومغراوة، وبلكّين [١] ، وكان شيعة لصاحب الحضرة بما كان متمسّكا بدعوتهم ومتقبّلا مذهب أبيه في بيعتهم، فقويت عزائم السلطان أبي عصيدة لذلك، ونهض من الحضرة سنة خمس وتسعين وستمائة وتجاوز تخوم عمله إلى أعمال قسنطينة، وأجفلت أمامه الرعايا والقبائل وانتهى إلى ميلة، وفيها كان منقلبة إلى حضرته في رمضان من سنته.

ولما ضايق عمل بجاية بغزوه أعمل الأمير أبو زكريا نظره في تسكين الناحية الغربية ليتفرّغ عنها إلى مدافعة السلطان صاحب الحضرة، فوصل يده بعثمان بن يغمراسن وأكّد معه قديم الصهر بحادث الود والمواصلة. وفي خلال ذلك زحف يوسف بن يعقوب سلطان بني مرين إلى تلمسان، وألقى عليها بكلكله، واستجاش عثمان بن يغمراسن بالأمير أبي زكريا فأمدّه بعسكر من الموحّدين لقيهم عسكر من بني مرين بناحية تدلس فهزموهم وأثخنوا فيهم قتلا. ورجع فلّهم إلى بجاية وسرّح يوسف بن يعقوب عساكر بني مرين إلى بجاية وعقد عليها لأخيه أبي يحيى بعد أن كان عثمان بن سبّاع وفد عليها نازعا عن صاحب بجاية إليه، ومرغّبا له في ملكها، فأوسع له في الحباء


[١] وفي نسخة أخرى: مليكش.

<<  <  ج: ص:  >  >>