النفوس مهابة وإجلالا وأعرفهم بمصالح قبيله، وأقواهم كاهلا على حمل الملك واضطلاعا بالتدبير والرئاسة، شهدت له بذلك آثاره قبل الملك وبعده. وكان مرموقا بعين التجلّة مؤمّلا للأمر عند المشيخة وتعظمه من أمره عند الخاصّة، ويفزع إليه في نوائبها العامّة. فلمّا ولي هذا الأمر بعد أخيه أبي عزّة زكراز بن زيّان سنة ثلاث وثلاثين قام به أحسن قيام، واضطلع بأعبائه وظهر على بني مطهر وبني راشد الخارجين على أخيه، وأصارهم في جملته وتحت سلطانه. وأحسن السيرة في الرعيّة، واستمال عشيرته وقومه وأحلافهم من زغبة بحسن السياسة والاصطناع وكرم الجوار، واتخذ الآلة ورتّب الجنود والمسالح، واستلحق العساكر من الروم والغزّ رامحة وناشنبة.
وفرض العطاء واتخذ الوزراء والكتّاب، وبعث في الأعمال ولبس شارة الملك والسلطان، واقتعد الكرسي ومحا آثار الدولة المؤمنية، وعطّل من الأمر والنهي دستها، ولم يترك من رسوم دولتهم وألقاب ملكهم إلّا الدعاء على منابره للخليفة بمراكش، وتقلّد [١] العهد من يده تأنيسا للكافة ومرضاة للأكفّاء من قومه. ووفد عليه لأوّل دولته ابن وضّاح إثر الموحدين، أجاز البحر مع جالية المسلمين من شرق الأندلس، فآثره وقرّب مجلسه وأكرم نزله، وأحلّه من الخلّة والشورى بمكان اصطفاه له. ووفد في جملته أبو بكر بن خطّاب المبايع لأخيه بمرسية، وكان مرسلا بليغا، وكاتبا مجيدا، وشاعرا محسنا، فاستكتبه وصدر عنه من الرسائل في خطاب خلفاء الموحّدين بمراكش وتونس في عهود بيعاتهم ما تنوقل وحفظ. ولم يزل يغمراسن محاميا عن غيله محاربا لعدوّه. وكانت له مع ملوك الموحدين من آل عبد المؤمن ومديلهم آل أبي حفص مواطن في التمرّس به ومنازلة بلده، نحن ذاكروها كذلك. وبينه وبين أقتاله بني مرين قبل ملكهم المغرب وبعد ملكه وقائع متعدّدة. وله على زناتة الشرف من توجين ومغراوة في فلّ جموعهم وانتساف بلادهم وتخريب أوطانهم أيام مذكورة وآثار معروفة، نشير إلى جميعها إن شاء الله تعالى.
[(الخبر عن استيلاء الأمير أبي زكريا على تلمسان ودخول يغمراسن في دعوته)]
لما استقلّ يغمراسن بن زيّان بأمر تلمسان والمغرب الأوسط، وظفر بالسلطان وعلا