كعبه على سائر أحياء زناتة، نفسوا عليه ما آتاه الله من العزّ، وكرّمه به من الملك، فنابذوه العهد وشاقوه الطاعة، وركبوا له ظهر الخلاف والعداوة، فشمّر لحربهم ونازلهم في ديارهم وأحجرهم في أمصارهم ومعتصماتهم من شواهق الجبال ومتمنع الأمصار. وكانت له عليهم أيام مشهورة ووقائع معروفة. وكان متولي كبر هذه المشاقة عبد القوي بن عبّاس شيخ بني توجين أقتالهم من بني يادين، والعباس بن منديل بن عبد الرحمن وإخوته أمراء مغراوة. وكان المولى الأمير أبو زكريا بن أبي حفص منذ استقلّ بأمر إفريقية واقتطعها من الإيالة المؤمنية سنة خمس وعشرين وستمائة كما ذكرناه متطاولا إلى احتياز المغرب والاستيلاء على كرسيّ الدعوة بمراكش، وكان يرى أنّ بمظاهرة زناتة له على شأنه يتمّ له ما يسمو إليه من ذلك، فكان يداخل أمراء زناتة فيرغّبهم ويراسلهم بذلك على الأحيان من بني مرين وبني عبد الواد وتوجين ومغراوة. وكان يغمراسن منذ تقلّد طاعة بني عبد المؤمن أقام دعوتهم بعمله متحيزا إليهم سلما لوليّهم وحربا على عدوّهم. وكان الرشيد منهم قد ضاعف له البرّ والخلوص، وخطب منه مزيد الولاية والمصافاة، وعاوده الإتحاف بأنواع الألطاف والهدايا عام سبع وثلاثين وستمائة تقمنا لمسرّاته، وميلا إليه عن جانب أقتال بني مرين المجلبين على المغرب والدولة. وأحفظ الأمير أبا زكريا بن عبد الواحد صاحب إفريقية ما كان من اتصال يغمراسن بالرشيد، وهو من جواره بالمحل القريب، واستكره ذلك. وبينما هو على ذلك إذ وفد عليه عبد القويّ بن عبّاس، وولد منديل بن محمد صريخين على يغمراسن وسهّلوا له أمره وسوّلوا له الاستيلاء على تلمسان، وجمع كلمة زناتة واعتدّا ذلك ركابا لما يرومه من امتطاء ملك الموحّدين وانتظامه في أمره، وسلّما لارتقاء ما يسمو إليه من ملكه، وبابا للولوج على أهله، فحركه املاؤهم وهزه إلى النعرة صريخهم، وأهبّ بالموحّدين وسائر الأولياء والعساكر إلى الحركة على تلمسان، واستنفر لذلك سائر البدو من الأعراب الذين في عمله من بني سليم ورياح بظعنهم فأهطعوا لداعيه، ونهض سنة تسع وثلاثين وستمائة في عساكر ضخمة وجيوش وافرة، وسرّح أمام حركته عبد القويّ بن العبّاس وأولاد منديل بن محمد لحشد من بأوطانهم من أحياء زناتة، وأتباعهم وذؤبان قبائلهم، وأحياء زغبة أحلافهم من العرب، وضرب لهم موعدا لموافاتهم في تخوم بلادهم. ولما نزل زاغر قبلة تيطري منتهى مجالات رياح وبني سليم في المغرب، وافته هنالك أحياء زغبة