من بني عامر وسويد، وارتحلوا معه حتى نازل تلمسان، فجمع عساكر الموحّدين وحشد زناتة وظعن المغرب، بعد أن قدم إلى يغمراسن الرسل من مليانة والأعذار والبراءة والدعاء والطاعة فرجّعهم بالخيبة.
(ولما حلّت) عساكر الموحدين بساحة البلد وبرز يغمراسن وجموعه نضحتهم ناشبة السلطان بالنبل، فانكشفوا ولاذوا بالجدران، وعجزوا عن حماية الأسوار، فاستمكنت المقاتلة من الصعود. ورأى يغمراسن أن قد أحيط بالبلد فقصد باب العقبة من أبواب تلمسان ملتفا على ذويه وخاصته، واعترضه عساكر الموحّدين فصمد نحوهم وجندل بعض أبطالهم، فأفرجوا له، ولحق بالصحراء. وانسلّت الجيوش إلى البلد من كل حدب، فاقتحموه وعاثوا فيه بقتل النساء والصبيان، واكتساح الأموال. ولما تجلّى عشاء تلك الهيعة وحسر تيار الصدمة، وخمدت نار الحرب، راجع الموحدون بصائرهم، وأمعن الأمير نظره فيمن يقلّده أمر تلمسان والمغرب الأوسط، وينزله بثغرها لإقامة دعوته الدائلة من دعوة المؤمن والمدافعة عنها.
واستكبر ذلك أشرافهم وتدافعوه وتبرّأ أمراء زناتة منه ضعفا عن مقاومة يغمراسن، وعلما بأنه الفحل الّذي لا يجدع أنفه، ولا يطرق غيله، ولا يصدّ عن فريسته، وسرّح يغمراسن الغارات في نواحي العسكر فاختطفوا الناس من حوله، وأطلوا من المراقب عليه. وخاطب يغمراسن خلال ذلك الأمير أبا زكريا راغبا في القيام بدعوته بتلمسان، فراجعه بالاسعاف واتصال اليد على صاحب مراكش، وسوّغه على ذلك جباية اقتطعها له، وأطلق أيدي العمّال ليغمراسن على جبايتها. ووفدت أمّه سوط النساء للاشتراط والقبول فأكرم وصلها وأسنى جائزتها وأحسن وفادتها ومنقلبها، وارتحل إلى حضرته لسبع عشرة ليلة من نزوله وفي أثناء طريقه وسوس إليه بعض الحاشية باستبداد يغمراسن عليه، وأشاروا بإقامة منافسيه من زناتة، فأجابهم وقلّد عبد القويّ بن عطية التوجيني، والعبّاس بن منديل المغراوي، وعليّ بن منصور الملكيشي [١] على قومهم ووطنهم، وعهد إليهم بذلك، وأذن لهم في اتخاذ الآلة والمراسم السلطانية على سنن يغمراسن قريعهم، فاتخذوها بحضرته وبمشهد من ملك الموحّدين، وأقاموا مراسمها ببابه، وأغذّ السير لتونس قرير العين بامتداد ملكه،